السؤال
توفيت جدتي، ولها أبناء قبل أن أعطيها حقها من ميراث أبي المتوفى قبلها، وترك أبي مالا وبيتا. وقد صرف مال التركة لاستكمال بناء المنزل، وبسبب ظروفي أنا وإخوتي حيث لم يكن لنا مصدر دخل؛ قمت بعمل شهرية لها، حتى وفاتها، وفعلت ما استطعت في خدمتها في مرضها. وأحيانا كانت راضية، وتقول لي: أنا سامحتك، وأحيانا أخرى تقول لي: لا تنسني.
وأنا الآن أريد أن أبرئ ذمتي من حقها، وتكلمت مع أحد أبنائها، فقال لي: إنها مسامحة، وما كانت ستأخذ منكم شيئا، وأنها كانت متقلبة المزاج.
فماذا أفعل الآن؟ علما بأني لا أملك الآن سوى المنزل الذى يؤويني أنا وإخوتي، ولنا ميراث لدى أعمامي بمنزل وأرض الجد والجدة المتوفيين، ففكرت أن أتنازل أنا وإخوتي عنه لأعمامي مقابل حقها. فهل هذا يبرئ ذمتي؟ أم يتم تقييم الحقوق أولا، ويسدد الفرق إليهم؟
علما أن أحد أعمامي طلب مني السكوت تفاديا لطمع أعمامي الآخرين فينا. فماذا أفعل؟ أم أتصدق لها بما أستطيع؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجوابنا على سؤالك يتلخص فيما يلي:
1) لجدتكم نصيب في تركة والدكم، ما دام أنها ماتت بعده، ونصيبها السدس -سواء من النقود، ومن البيت، وغيرهما من أنواع التركة-؛ لقول الله تعالى: ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد. {النساء:11}.
2) لا يسقط نصيبها بموتها قبل أن تستلمه، بل ينتقل إلى ورثتها، ولا يجوز لك أن تتصدق بنصيبها، بل هو حق لورثتها، وقيامكم على خدمتها قبل موتها تؤجرون عليه، ولكن لا يترتب عليه إسقاط حقها في ميراث ولدها.
3) دعواك أنها سامحتكم في نصيبها هذه دعوى تحتاج إلى بينة شرعية، أو يصدقكم الورثة فيها، ولا تقبل لمجرد دعواكم؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه. متفق عليه. وللبيهقي بإسناد صححه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. اهــ
قال الصنعاني في سبل السلام: والحديث دال على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة، أو تصديق المدعى عليه...اهـ.
4) والبينة التي تثبت بها الأموال: أقلها رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي.
جاء في المغني لابن قدامة: ولا يقبل في الأموال أقل من رجل وامرأتين، ورجل عدل مع يمين الطالب... وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين. وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم- وهو قول الفقهاء السبعة، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وشريح، وإياس، وعبد الله بن عتبة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ويحيى بن يعمر، وربيعة، ومالك، وابن أبي ليلى، وأبي الزناد، والشافعي. اهــ. مختصرا.
5) إذا أقمتم البينة على أن جدتكم تنازلت لكم عن نصيبها؛ فليس لورثتها شيء في نصيبها من تركة أبيكم، وإن لم تقيموا بينة، وصدقكم الورثة في دعواكم؛ فكذلك. وإن لم تقيموا البينة، ولم يصدقكم الورثة؛ وجب عليكم إعطاء ورثتها نصيبها من الأموال التي أنفقتموها، فتضمنونها، ومن بيت والدكم أيضا، ولا تبرأ ذمتكم إلا بذلك، أو بالاتفاق مع ورثتها على ما تتراضون عليه من تخارج ونحوه، أو مسامحتكم في حقهم في تركتها، ولا يجوز كتمان هذا الحق عن أعمامكم.
6) كونكم لا تملكون الآن إلا بيت الوالد هذا لا يسقط حقهم في نصيب أمهم فيه، وقد قدمنا في فتاوى كثيرة أن العقار الموروث الذي لا يقبل القسمة يباع ويقسم ثمنه بين الورثة، وإذا طالب أحدهم ببيعه أجبر البقية على البيع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كل ما لا يمكن قسمه، فإنه يباع، ويقسم ثمنه إذا طلب أحد الشركاء ذلك، ويجبر الممتنع على البيع، وحكى بعض المالكية ذلك إجماعا. اهــ.
7) لا حرج في أن تصالحوا ورثتها عما لهم عندكم بما لكم في تركة جدتكم على حسب ما تتفقون عليه، وقد جاء في الحديث: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
8) إذا حصل خلاف بين الورثة تعين رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية، أو مشافهة من يصلح للقضاء من أهل العلم حتى يتم سماع جميع الأطراف، ولا يكتفى في قضايا المنازعات بالسؤال عن بعد؛ لأن المفتي حينئذ لا يسمع إلا من طرف واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تتيحه طريقة الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في ذلك.
والله أعلم.