السؤال
روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: (إني قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئته فدعوته لجلوتها، فجاء، فجلس إلى جنبها، فأتي بعس لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم، فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذت، فشربت شيئا، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أعطي تربك، قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله، بل خذه فاشرب منه، ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه، ثم ناولنيه، قالت: فجلست، ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره، وأتبعه بشفتي؛ لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنسوة عندي: ناوليهن، فقلن: لا نشتهيه! فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجمعن جوعا وكذبا)، هل للرسول صلى الله عليه وسلم خصوصية في دخوله وجلوسه عند عروسه والنساء من حوله، أم يجوز أن تكون سنة لنا بضوابط؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقاس به سواه في اجتماعه بالنساء، بل ولا في النظر إليهن، والخلوة بهن؛ وذلك لعصمته صلى الله عليه وسلم.
وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية، والنظر إليها.
ومما استدلوا به: حديث أم حرام -رضي الله عنها-، الذي رواه مالك، وغيره، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبد الله بن الصامت، فدخل عليها رسول الله عليه السلام يوما، فأطعمته، وجلست تفلي في رأسه ... الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية، والنظر إليها، وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها، ونومه عندها، وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية، ولا زوجية. اهـ.
وقال السيوطي في الخصائص الكبرى: وفي الخصائص لابن الملقن: وقد ذكر حديث أم حرام: من أحاط علما بالنسب؛ علم أنه لا محرمية بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بين ذلك الحافظ شرف الدين الدمياطي، وقال: هذا خاص بأم حرام، وأختها أم سليم.
قال ابن الملقن: والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم، فيقال: كان من خصائصه الخلوة بالأجنبية، وقد ادعاه بعض شيوخنا. اهـ.
وقال البجيرمي في تحفة الحبيب على شرح الخطيب: فقد اختص -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- بإباحة النظر إلى الأجنبيات، والخلوة بهن، وإردافهن على الدابة خلفه؛ لأنه مأمون لعصمته؛ وهذا هو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام في دخوله عليها، ونومه عندها، وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية، ولا زوجية.
وأما الجواب بأنها كانت محرمة من رضاع، فرده الدمياطي بعدم ثبوته. اهـ.
فعلم مما سبق؛ أن اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء النسوة في عرسه، لا يقال فيه: إنه من السنة التي يقتدى فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لعصمته، وخصوصيته من جهة، ولكونه من العادات التي لا تقصد للتعبد بها، والاقتداء فيها به صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى.
وليس في هذا الحديث - ولا في غيره من الأحاديث - دليل على جواز الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء في الأعراس المنتشرة في هذه الأزمان؛ فإن ما يصاحبها من المنكرات -كالتبرج، والنظر إلى العورات، وسماع الموسيقى، وغيرها -؛ لا يرتاب في حرمتها، والنهي عنها.
والله أعلم.