0 37

السؤال

ثبت النهي عن الكفت، والنهي إن عاد إلى ذات المنهي عنه، دل على الفساد، لكن ذهب الجمهور إلى أن النهي هنا للكراهة، فهل يمكن أن نقول: إن الذي صرف النهي عن الفساد هنا، هو ما رواه مسلم: عن ابن عباس، أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله، فلما انصرف، أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل هذا، مثل الذي يصلي وهو مكتوف.
وما رواه أبو داود: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، يحدث عن أبيه، أنه رأى أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، مر بحسن بن علي -عليهما السلام- وهو يصلي قائما، وقد غرز ضفره في قفاه، فحلها أبو رافع، فالتفت حسن إليه مغضبا، فقال أبو رافع: أقبل على صلاتك، ولا تغضب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذلك كفل الشيطان، يعني مقعد الشيطان، يعني مغرز ضفره.
فابن عباس لم ير بطلان صلاة عبد الله بن الحارث، ولم يأمره بإعادة الصلاة، وكذلك يقال في حديث أبي رافع.
وإذا كانت الحكمة من النهي عن الكفت هي المنع من سجود الثوب والشعر معه، وعدم التشبه بالمتكبر، فهل يمكن أن نقول: إن النهي لا يشمل الملابس الداخلية، وكل ثوب لا يباشر الأرض حال السجود؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته من الأحاديث يصلح للاستشهاد به على أن ابن عباس، وأبا رافع -رضي الله عنهما- لا يريان بطلان صلاة من كف ثوبه أو شعره؛ لأن عقص الشعر داخل في كفهن، قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب، عن معنى: ولا أكف ثوبا، ولا شعرا، قال: أي لا أضمهما، فمن ذلك: أن يعقص شعره، أو يرده تحت عمامته، أو يشمر ثوبه، أو كمه... اهــ.

وهما لم يأمرا المصلي بالإعادة، وقد ذكره بعض العلماء -كابن الملقن في شرح البخاري في معرض رده على من قال ببطلان الصلاة-، بل لا تلازم بين القول بالتحريم والقول ببطلان الصلاة، فمن العلماء القائلين بالتحريم ابن جرير الطبري، وقد نقل الإجماع على صحة الصلاة، قال ابن الملقن في التوضيح: وحكى الطبري في ذلك إجماع الأمة، قال: مع أنه غير جائز أن يصلي على تلك الحالة.

قال: وممن روي عنه ذلك من السلف: علي، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عمر، وأبو هريرة، وكان ابن عباس إذا سجد يقع شعره على الأرض. وقال ابن عمر لرجل رآه سجد معقوصا شعره: أرسله، يسجد معك.

وقال ابن المنذر: على هذا قول أكثر أهل العلم، غير الحسن البصري، فإنه قال: من صلى عاقصا شعره، أو كافا ثوبه؛ فعليه إعادة الصلاة.

قلت: وفي أفراد "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس، أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص، فقام من ورائه، فجعل يحله، فلما انصرف أقبل على ابن عباس، فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا، مثل الذي يصلي وهو مكتوف". اهــ.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر، أو كمه، أو نحوه، أو رأسه معقوص، أو مردود شعره تحت عمامته، أو نحو ذلك، فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء، وهو كراهة تنزيه، فلو صلى كذلك؛ فقد أساء، وصحت صلاته.

واحتج في ذلك أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بإجماع العلماء. وحكى ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصري. اهـ.

وقال ابن بطال في شرح البخاري: فإن صلى وهو عاقص شعره، أو كاف ثوبه؛ فقد أساء، ولا إعادة عليه؛ لإجماع الأمة على ذلك، ورواية عن الرسول على أنه لا إعادة عليه، وممن روى عنه ذلك من السلف: علي، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عمر، وأبو هريرة.

وكان ابن عباس إذا سجد يقع شعره على الأرض، وقال ابن عمر لرجل رآه يسجد معقوصا شعره: أرسله، يسجد معك. وقال ابن المنذر: على هذا قول أكثر أهل العلم، غير الحسن البصرى، فإنه قال: من صلى عاقصا شعره، أو كافا ثوبه؛ فعليه إعادة الصلاة. اهــ.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة