السؤال
عمري اثنان وخمسون سنة، وبدأت الصلاة عندما كان عمري أربعة وثلاثين، فماذا يجب علي في الصلاة التي فاتتني منذ وجوبها علي؟ فكرت في مضاعفة الصلاة مستقبلا -أي: أداء كل فرض مرتين-، فهل يجوز ذلك؟ وهل من حل آخر؟
عمري اثنان وخمسون سنة، وبدأت الصلاة عندما كان عمري أربعة وثلاثين، فماذا يجب علي في الصلاة التي فاتتني منذ وجوبها علي؟ فكرت في مضاعفة الصلاة مستقبلا -أي: أداء كل فرض مرتين-، فهل يجوز ذلك؟ وهل من حل آخر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة عماد الدين، ومكانتها في الإسلام عظيمة، ولا حظ فيه لمن تركها؛ فهي الركن الثاني من أركانه الخمسة بعد الشهادتين، وفي الحديث الذي رواه الترمذي في السنن: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك. والحديث صححه الألباني، وفي رواية للطبراني صححها الألباني: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى، والمواظبة على الصلاة، وقضاء ما ضيعت منها بعد بلوغك سن التكليف، قال الأخضري المالكي في مختصره: يجب قضاء ما في الذمة من الصلوات، ولا يحل التفريط فيها.
والقضاء يكون على الفور حسب الاستطاعة في أي ساعة من ليل أو نهار.
وجوز بعض المالكية أن تقضي في كل يوم صلاة خمسة أيام، أو يومين، وضعف بعضهم الاقتصار على قضاء يومين، قال الأخضري المالكي في مختصره: ومن صلى كل يوم خمسة أيام، فليس بمفرط. اهـ
وجاء في منح الجليل شرح مختصر خليل: (وجب) فورا على الراجح، وقيل: على التراخي. وقيل: على حالة وسطى:
فعلى الأول يحرم التأخير إلا وقت الضرورات من نوم غالب، وأكل لشدة جوع، وقضاء حاجة، وتكسب لقوت ضروري له ولعياله، واشتغال بعلم عيني، والتنفل إلا السنن، وشفع الوتر، وركعتي الفجر... اهـ.
وقال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ومن عليه صلوات كثيرة، صلاها في كل وقت من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس، وعند غروبها، وكيفما تيسر له.
وفي شرح الفواكه الدواني: (و) يجب عليه القضاء (كيفما تيسر له) ولو في حال المرض الذي يصلي فيه من جلوس، ولو فاتته في حال الصحة.. لأن المعتبر حال الفعل، لا حال الوجوب.. فيجب عليه شغل زمانه بالقضاء، وإنما يوسع له في الضرورات التي لا غنى له عنها، كما يدل عليه قول المدونة: ومن عليه صلوات كثيرة، أمر أن يصليها متى قدر ووجد السبيل إلى ذلك في ليل أو نهار، دون أن يضيع ما لا بد منه من حوائج دنياه -من نفقة عياله، وصغار أولاده الفقراء، أو أبويه الفقراء، ويلحق بذلك درس العلم الواجب عليه، والتمريض، وإشراف القريب على ما يظهر-.
والحاصل: أنه لا يخرج من إثم التأخير إلا بفعل ما قدمناه، وقول من قال: يخرج من الحرمة، ولا يعد مفرطا بصلاة يومين في كل يوم ضعيف.
فإذا كان في ذلك مشقة، أو تعطيل عن تحصيل المعاش؛ فإن المشقة تجلب التيسير؛ فتقضي في كل يوم صلاة يوم؛ حسب وسعك واستطاعتك، قال ابن قدامة في المغني: إذا كثرت الفوائت عليه، يتشاغل بالقضاء, ما لم يلحقه مشقة في بدنه، أو ماله.
والترتيب بين الصلوات المقضية واجب عند المالكية، لكنه ليس بشرط في صحتها، وهو شرط في صحتها عند الحنابلة، ومستحب عند الشافعية، وانظر الفتوى: 96811 .
وأما قولك: "أداء كل فرض مرتين"، فإن كنت تقصد أنك تصلي مع كل صلاة حاضرة صلاة فائتة؛ فإن ذلك لا ينبغي؛ لما فيه من تأخير القضاء، والإخلال بالفور الذي هو واجب عند جمهور العلماء، وقد قال عنه الحطاب نقلا عن زروق: فأما مع كل صلاة صلاة، كما تقول العامة: فعل لا يساوي بصلة، ومن لم يقدر إلا على ذلك، فلا يدعه؛ لأن بعض الشر أهون من بعض.
وفي هذه الحالة لا بد من التفريق بين الصلاتين بنية الأداء، ونية القضاء.
وقضاء الفوائت يجب تقديمه على صلاة النوافل، قال الأخضري: ولا يتنفل من عليه القضاء، ولا يصلي الضحى، ولا قيام رمضان، ولا يجوز له إلا الشفع، والوتر، والفجر، والعيدان، والخسوف، والاستسقاء. اهـ.
وللمزيد من الفائدة عن كيفية قضاء فوائت الصلاة الكثيرة، انظر الفتوى: 61320.
والحاصل: أن الحل هو التوبة إلى الله تعالى، وقضاء ما في ذمتك من الصلوات، حسب استطاعتك؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ودين الله أحق بالقضاء.
والله أعلم.