السؤال
بسبب سوء الوضع الاقتصادي في بلدي، وضيق الحال والمعيشة، وأيضا وفاة والدي، حيث أصبحت أنا وأمي نعيل المنزل، ولأني عاطل عن العمل بسبب الأزمة، بالرغم من أنني حاصل على شهادات في تخصصي، علما أن لدينا ٣ أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.
لذلك فقد بدأت بالتداول في سوق العملات الرقمية بمبلغ صغير، مع علمي أن الشق الذي أتداول فيه حرام (Crypto Binance Future) (المال الحرام هنا ليس مالا ربويا، أو مراهنات، بل هو مال يأتي من العقود الآجلة، والصفقات المستقبلية، والمضاربة، كما ذكرت الاسم باللغة الأجنبية في الأعلى) لقد حققت الأرباح، لكن لا أستطيع أن أسمح لنفسي بأن أسحب المال وأصرفه على نفسي وملذاتي.
سؤالي: إذا سحبت القليل من هذه الأموال، وفتحت بها تجارة بالحلال، وليست مواد محرمة. ونجحت هذه التجارة، وأرجعت المال الذي سحبته (الذي هو مال حرام) للمحفظة.
هل تعتبر كل الأرباح التي تأتي من هذا المشروع، أو أي مشروع آخر أقوم بإنشائه من أرباح هذا المشروع، حراما؟ أو أنه طالما أنني قد أرجعت رأس المال أكون قد وفيت بما علي؟ أم يجب علي دفع مبلغ معين كفارة، علما أن السبل ضاقت في بلدي، مع انهيار العملة. والراتب الذي نقبضه لا يعادل ١٠٠$ شهريا؛ لذلك أقدمت على هذه الخطوة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيكم في دينكم ودنياكم، وأن يكفيكم بحلاله عن حرامه، ويغنيكم بفضله عمن سواه.
فلتستغفر الله تعالى مما سلف منك من الإقدام على معاملات محرمة.
وأما أخذ أرباح هذه المعاملات للبدء في تجارة مباحة، فلا بأس به ما دمت فقيرا لا تجد غيره، فإن هذا المال لا يترك للمحفظة، وإنما يسحب وينفق على الفقراء والمساكين، وأنت وعائلتك من جملتهم، فلكم أن تأخذوا منه بقدر حاجتكم أسوة ببقية الفقراء.
قال الغزالي في الإحياء: له أن يتصدق على نفسه، وعياله -يعني بالمال الحرام الذي بيده- إذا كان فقيرا.
أما عياله وأهله فلا يخفى؛ لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله، بل هم أولى من يتصدق عليهم.
وأما هو؛ فله أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير، ولو تصدق به على فقير لجاز، وكذا إذا كان هو الفقير. اهـ.
ونقله النووي في المجموع، ثم قال: وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه.
ونقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان، وغيره من السلف، عن أحمد بن حنبل، والحارث المحاسبي، وغيرهما من أهل الورع؛ لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر؛ فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وللفقير أكله -يعني المال الحرام المأخوذ برضا الدافع-، ولولي الأمر أن يعطيه أعوانه، وإن كان هو فقيرا، أخذ كفايته. اهـ.
ولا يلزمك إن ربحت تجارتك أن تخرج مثل المال الذي أخذت، ولكن هذا أفضل وأحسن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن تابت هذه البغي، وهذا الخمار، وكانوا فقراء؛ جاز أن يصرف إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر، أو يعمل صنعة -كالنسج، والغزل-، أعطي ما يكون له رأس مال. وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ... كان أحسن. اهـ.
والله أعلم.