السؤال
الكثير من الناس يتبعون مرجعا -كعبد القادر الكيلاني-، وسألني أحدهم: "أليس لديك مرجع"؟ فما المرجع؟ وهل يجب أن يكون للشخص مرجع، أم يكتفي بالقرآن، وسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟ وهل الأخذ برأي الجمهور في كل المسائل الخلافية والدينية أمر حسن؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم هو طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ باتباع الكتاب، والسنة، وأن يفهم ذلك في ضوء فهم الصحابة الكرام، الذين زكاهم الله تعالى، وأثنى على متبعيهم بإحسان، فقال سبحانه: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم {التوبة:100}، والذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه البخاري، ومسلم.
ثم بعد ذلك يستضاء بكلام الأئمة، وأهل العلم السائرين على هذا الدرب.
ولا يضر المقلد الذي لا يستطيع الترجيح بين الأقوال والمذاهب أن يقلد أيهم شاء، ويأخذ بما تيسر له من مذاهبهم، طالما أنه لا يفعل ذلك اتباعا للهوى.
فإذا نزلت به نازلة، فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بحكم الشرع من أي مذهب كان، ولا يجب عليه التزام مذهب معين، قال القرافي في الذخيرة: انعقد الإجماع على أن من أسلم، فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر، وأجمع الصحابة -رضوان الله عليهم- على أن من استفتى أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، أو قلدهما، فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهما من غير نكير، فمن ادعى رفع هذين الإجماعين؛ فعليه الدليل. اهـ. وانظر الفتويين: 5812، 71362.
وقريب من ذلك الحال في شأن التربية والسلوك؛ فلا حرج على المسلم أن يصحب شيخا مربيا يؤدبه على آداب السنة النبوية، ويعلمه كيف يزكي نفسه، ويتخلق بأخلاق الإسلام، المهم أن يكون هذا الشيخ محلا للقدوة، عاملا بالسنة، روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وهذا الأثر يبين نهج الصواب في طلب العلم؛ فلا يؤخذ إلا من الثقات المعروفين بالديانة، واتباع السنة، ومجانبة البدعة، ويتأكد ذلك في حق المبتدئين في الطلب، روى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة عن أيوب قال: إن من سعادة الحدث والأعجمي، أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة.
وروى ابن بطة في الإبانة الكبرى، واللالكائي عن ابن شوذب قال: إن من نعمة الله على الشاب إذا تنسك، أن يواخي صاحب سنة، يحمله عليها.
وروى ابن بطة عن عمرو بن قيس الملائي قال: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة؛ فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع، فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه. وراجع في ذلك الفتاوى: 30036، 38541، 18328.
وأما الأخذ برأي الجمهور في كل المسائل الخلافية، فأمر حسن للعامي، والمقلد، وراجع في ذلك الفتوى: 342037.
والله أعلم.