السؤال
ورد في بعض الأحاديث والآيات أن أصنافا من الناس لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم. هل هذا على سبيل التقييد؟ أم يوجد هناك أناس غير هؤلاء يعذبون بهذا العذاب، لم يأت ذكرهم؟
ورد في بعض الأحاديث والآيات أن أصنافا من الناس لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم. هل هذا على سبيل التقييد؟ أم يوجد هناك أناس غير هؤلاء يعذبون بهذا العذاب، لم يأت ذكرهم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الوعيد لاحق لكل من كفر بالله تعالى، وهم الذين اشتروا بعهد الله، أي: بما أخذه عليهم من العهد بالإيمان به ثمنا قليلا، وهو الدنيا بحذافيرها، فكل كافر داخل -ولا بد- في هذا الوعيد. قال الله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم {آل عمران:77}. ومعنى عدم نظره إليهم أي: عدم نظره إليهم نظر رحمة، ومعنى عدم تكليمهم أي: كلاما ينتفعون به، فلا ينفي أنه يكلمهم كلام تبكيت وتقريع.
قال العلامة القاسمي -رحمه الله-: إن الذين يشترون أي يستبدلون بعهد الله أي بما أخذهم عليه في كتابه. أو بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم، وأيمانهم أي التي عقدوها بالتزام متابعة الحق على ألسنة الرسل، ثمنا قليلا من الدنيا الزائلة الحقيرة التي لا نسبة لجميعها إلى أدنى ما فوتوه، أولئك لا خلاق أي لا نصيب ثواب لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، وذلك لحجبهم عن مقامات قربه؛ كما قال تعالى: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. ولا يزكيهم أي ولا يثني عليهم كما يثني على أوليائه، أو لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة، ولهم عذاب أليم أي بالنار. انتهى
وقال الألوسي: ولا يكلمهم الله أي بما يسرهم بل بما يسوؤهم وقت الحساب لهم- قاله الجبائي- أو لا يكلمهم بشيء أصلا، وتكون المحاسبة بكلام الملائكة لهم بأمر الله تعالى إياهم استهانة بهم،... ولا ينظر إليهم يوم القيامة أي لا يعطف عليهم ولا يرحمهم، كما يقول القائل- انظر إلي- يريد ارحمني،... انتهى. وقد ورد هذا الوعيد في الأحاديث في أنواع من العصاة، منها ما رواه مسلم عن أبى ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ، وروى مسلم كذلك عن أبي هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم - قال أبو معاوية ولا ينظر إليهم - ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ومنها ما في الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف. اهـ
وهذا يدل على أن هذه الذنوب من الكبائر، والمسلك فيها هو المسلك مع سائر نصوص الوعيد، فإن من مات من هؤلاء على الإسلام فمآله إلى الجنة وزائل عنه هذا الوعيد، ثم إنه ليس لنا أن نضيف إلى تلك الأصناف شيئا من تلقاء أنفسنا، وإنما يقتصر على ما وردت به النصوص فحسب لئلا يقع المسلم في القول على الله تعالى بغير علم، والذي هو من أكبر الكبائر.
والله أعلم.