السؤال
{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}، هذه الآية تقول إن كفار قريش لا يدركون أن الاسلام حق، وقلوبهم عمياء، لا تدرك ذلك.
{فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}، هذه الآية تقول إن كفار قريش يعلمون أن الاسلام حق، وقلوبهم ليست عمياء، ولكنهم يجحدون الآيات.
فكيف نجمع بينهما؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الآية الأولى تدعو كفار قريش وغيرهم ممن يكذب رسل الله -في كل زمان ومكان- ليتأمل ويتفكر، ويسير في الأرض ليرى مصارع المكذبين من الأمم الخالية، وعاقبة أمرهم، ولكن تعطيل العقول، واتباع الهوى، والانهماك في التقليد هو الذي يمنع من الإيمان بالرسل بعد مشاهدة الأدلة ومعرفة صدقهم، كما قال تعالى عن فرعون وقومه: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا {النمل:14}.
وفي معنى الآية يقول السعدي في تفسيره: دعا الله عباده إلى السير في الأرض، لينظروا، ويعتبروا فقال: {أفلم يسيروا في الأرض} بأبدانهم وقلوبهم {فتكون لهم قلوب يعقلون بها} آيات الله ويتأملون بها مواقع عبره، {أو آذان يسمعون بها} أخبار الأمم الماضين، وأنباء القرون المعذبين، وإلا فمجرد نظر العين، وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار، غير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب، ولهذا قال: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} أي: هذا العمى الضار في الدين، عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات، وأما عمى البصر، فغايته بلغة، ومنفعة دنيوية. انتهى.
فكفار قريش -أو أكثرهم- إنما كفروا بسبب عنادهم، وتكبرهم؛ فهم يعلمون صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يسمونه: الصادق الأمين، وقد رأوا بأعينهم من الأدلة والمعجزات ما يدعوهم لتصديقه، ولكن العناد والكبر وعمى القلوب هو الذي جعلهم يرفضونه، وهذا السبب: هو الغالب فيمن كفر برسل الله عامة، كما بينا في الفتوى: 286402.
ولذلك جاء في الآية الأخرى: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. ومعنى: "فإنهم لا يكذبونك.." أي: لا ينسبونك إلى الكذب، ويردون عليك ما قلت، أو لا يجدونك تأتي بالكذب؛
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون.. استئناف ابتدائي قصد به تسلية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمره بالصبر، ووعده بالنصر، وتأييسه من إيمان المتغالين في الكفر. اهـ
ولذلك؛ فإنه لا تعارض بين الآيتين.
وسبق أن بينا أن الكفر وتكذيب الرسل أنواع؛ فمنه الاستكبار والإباء مع التصديق.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 218368.
والله أعلم.