السؤال
أنا شاب أسكن في أمريكا، وقبل سنتين تقريبا اشتريت دارا في ولاية أخرى. وبعد أن اشتريت هذا البيت أوقفته على بناتي (لدي بنتان). وكتبت ذلك في وصيتي، وتلفظت به، وأشهدت المصلين في المسجد على ذلك، ووقعوا بأسمائهم على الورقة. واشترطت أن أكون أنا الناظر وولي هذا الوقف ما دمت حيا؛ فاذا توفاني الله تنتقل ولاية الوقف والنظر فيه إلى خال البنات. ثم بعد مدة (شهر أو أقل تقريبا) بدا لي أن أغير هذا الوقف إلى ما هو خير من ذلك. فأضفت نفسي، وزوجتي، وذريتي من بعدي -إذا كتب الله لي ذرية-، وتلفظت بذلك أيضا. ولا أعلم هل تصح هذه الزيادة في الوقف أم لا؟ أنا أعلم أن الوقف على النفس محل خلاف بين الفقهاء، لكن لا أعلم هل يجوز عند الفقهاء للواقف أن يغير من وقفه إذا كان هو يتولى أمر وقفه. لا سيما إذا كان التغيير من باب المصلحة والخير. وليس من باب الهوى أو الحرمان. فإن عمر بن الخطاب تولى وقفه حتى توفاه الله، ثم حفصة تولته بعده، رضي الله عن الجميع.
أفتونا، بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية نقرر أن الوقف عقد لازم عند جمهور الفقهاء، فمتى وجد بشروطه لزم صاحبه، وخرج الموقوف عن ملك الواقف، وزال عنه حق التصرف فيه.
قال الماوردي في الحاوي الكبير: إذا وقف شيئا زال ملكه عنه بنفس الوقف، ولزم الوقف، فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه، وليس من شرطه لزوم القبض ولا حكم الحاكم، وهو قول الفقهاء أجمع. اهـ.
وقال الخرقي في مختصره: من وقف في صحة من عقله وبدنه على قوم وأولادهم وعقبهم ثم آخره للمساكين، فقد زال ملكه عنه، ولا يجوز أن يرجع إليه بشيء من منافعه. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة في المذهب وأبو يوسف ومحمد من الحنفية إلى أن الوقف متى صدر ممن هو أهل للتصرف مستكملا شرائطه أصبح لازما، وانقطع حق الواقف في التصرف في العين الموقوفة بأي تصرف يخل بالمقصود من الوقف، فلا يباع ولا يوهب ولا يورث؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تصدق بأصله، ولا يباع ولا يوهب ولا يورث". ولأن الوقف تبرع يمنع البيع والهبة والميراث، فلزم بمجرد صدور الصيغة من الواقف كالعتق، ويفارق الهبة فإنها تمليك مطلق، والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، فهو بالعتق أشبه، فإلحاقه به أولى. وعند أبي حنيفة الوقف جائز غير لازم، وللواقف الرجوع فيه حال حياته مع الكراهة ويورث عنه .. ولكن الفتوى عند الحنفية على قول أبي يوسف ومحمد وهو اللزوم، قال ابن عابدين نقلا عن الفتح: والحق ترجيح قول عامة العلماء بلزومه؛ لأن الأحاديث والآثار متضافرة على ذلك، واستمر عمل الصحابة والتابعين ومن بعدهم على ذلك، فترجح قولهما. اهـ.
ولزوم الوقف يقتضي عدم تغيير الجهة أو الأشخاص الموقوف عليهم، حتى إن كثيرا من الفقهاء لا يعتبر اشتراط الواقف ذلك لنفسه حين إنشاء الوقف، فضلا عن طروئه عليه بعد انعقاده.
قال النووي في روضة الطالبين: لو وقف وشرط لنفسه أن يحرم من شاء، أو يقدم أو يؤخر، فالشرط فاسد على الأصح. هذا إذا أنشأ الوقف بهذا الشرط، فلو أطلقه، ثم أراد أن يغير ما ذكره بحرمان، أو زيادة، أو تقديم، أو تأخير، فليس له قطعا. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: إن شرط في الوقف أن يخرج من شاء من أهل الوقف، ويدخل من شاء من غيرهم، لم يصح؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف، فأفسده. اهـ.
وعلى ذلك، فلا تصح هذه الزيادة التي أدخلها السائل على الوقف بإضافة نفسه وزوجه ومن يأتي من ذريته.
والله أعلم.