السؤال
حدث خصام بيني وبين أهلي، فعندي أخ عمره خمس سنوات، وأنا عندي 18 سنة، وأحبه جدا، لدرجة كبيرة، ولا أتحمل من يؤذيه، ولو بكلمة، وهو يتحرك، ويلعب كثيرا كباقي الأطفال، وأبي يغضب جدا من حركاته، وعدم جلوسه بهدوء، وفي يوم من الأيام ضربه بشدة، فحملته إلى غرفتي، فحبستني أمي، وقالت لي إنها تريد أن تخرج معه، وكنت غاضبة حينها، فأخذته من بين يديها، وأغلقت الباب بغضب، إلا أنني أغلقته على يدها بدون قصد فتألمت، وبدأت تدعو علينا بالموت -أنا وإخوتي- ربي يأخذكم، ربي يرزقني تكفينكم، وكانت نيتي فقط أن أحمي أخي منهم. وعائلتي دائما فيها مشاكل، وصراخ، وقد مرضت بأمراض نفسية، وعقد بسببهم، وأنا -والحمد لله- أحاول أن أبرهم بالرغم من أذاهم النفسي لي، لأنني أعلم أن رضى الله في رضاهم، وأنا أريد رضى الله.
عانيت من الاكتئاب، واضطراب القلق، ونوبات الهلع، وقلبي أصبح يؤلمني بشدة، ولا أريد أن يعاني أخي الصغير نفس المعاناة، وأحاول قدر المستطاع حمايته نفسيا منهم، وأن أربيه تربية حسنة، وسليمة، لأنهم -مع الأسف- متهاونون جدا في تربيته، وخاصة أبي، ولا يعطونه الحنان الذي يحتاجه في هذا السن، ولا يلعبون معه، بل يصرخون عليه، ويضربونه، ويعطونه الهاتف كي يصمت، وهذا ظلم، فهل أخطأت في شيء؟ وهل دعاؤها علي، وعلى إخوتي مستجاب؟ مع العلم بأننا بعد الدعاء مرضنا كلنا -أنا وإخوتي- فهل ذلك بسبب دعائها علينا؟ وهي لم تدخل المدرسة قط، ولا تعرف الكثير من الدين، فماذا أفعل معها؟ وكلما حاولت أن أتكلم معها، أو أقول لها إن دعاءها هذا لا يجوز، وقد يقبله الله، تغضب أشد الغضب.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، ويلهمك رشدك، ويعينك على بر والديك، وأن يهديهما، ويرزقهما الحكمة، والسلوك السوي في تربية الأولاد.
واعلمي أنك أخطأت في مغاضبة أمك، والتعامل معها بخشونة؛ فحق الوالدين على الأولاد عظيم -ولا سيما الأم- فلا تجوز الإساءة إليهما بقول، أو فعل، بل الواجب معهما الرفق، والأدب، والتوقير حتى في نهيهما عن المنكر، وأمرهما بالمعروف، لكن الظاهر من سؤالك أنك حريصة على بر والديك، والقيام بحقهما؛ فنرجو أن يكون ما وقع منك في مظنة العفو من الله تعالى، قال تعالى: ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا {الإسراء: 25}.
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: وقوله: إن تكونوا صالحين يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم الله فيما أمركم به من البر بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوابين بعد الزلة، والتائبين بعد الهفوة غفورا لهم. انتهى.
أما بخصوص دعاء أمك عليك وعلى إخوتك: فالدعاء على الولد؛ منهي عنه شرعا، ففي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:... لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم.
وكون دعاء أمك عليكم قد استجيب، أو لم يستجب؛ فهذا علمه عند الله تعالى، لكن بعض أهل العلم ذكر أن دعاء الوالدين على الأولاد يكون مجابا إذا كان بسبب عقوق الأولاد، ونحو ذلك.
قال ابن علان في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين:... ودعوة الوالد على والده أي إذا ظلمه، ولو بعقوقه. انتهى.
وقال المناوي: وما ذكر في الوالد محله في والد ساخط على ولده، لنحو عقوق. انتهى.
وعلى أية حال؛ فالمرجو من كرم الله تعالى ألا يستجيب دعاء الوالد على ولده ساعة الغضب، كما قال تعالى: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا {الإسراء:11}. وقال: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم {يونس:11}.
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه، ولطفه بعباده أنه لا يستجيب له إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو لأولادهم بالخير، والبركة، والنماء؛ ولهذا قال: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ـ الآية، أي لو استجاب لهم كلما دعوه به في ذلك لأهلكهم، ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك. انتهى.
ونصيحتنا لك؛ أن تجتهدي في بر والديك، وتعتذري من أمك، وتسأليها الصفح عنك، وتستعيني بالله تعالى في بذل النصيحة لوالديك برفق، وأدب، وتوسطي من الأقارب، أو غيرهم من الصالحين ممن لهم وجاهة عندهم، ويقبلون قولهم، ليكلموهم في إحسان معاملة أخيك الأصغر، وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.