السؤال
أعمل بعيدا عن منزلي، وإجازتي كل شهر تقريبا، وعندما نزلت في الإجازة بعدما يقرب من الشهر تناولت حبوبا، بالإضافة لكريم لتأخير القذف، وفوجئت بعدها أن زوجتي في فترة الحيض، وحاولت الاستمتاع، بعيدا عن الإيلاج. ولكن لم تكن تلك المتعة تكفيني، وكنت حقا أحتاج أن أقذف لأرتاح، فاقترحت زوجتي أن أرتدي عازلا طبيا، ووجد ذلك هوى في نفسي؛ لأنني حقا كنت بعيدا منذ فترة عن زوجتي، وإجازتي بضعة أيام فقط، وكان من المتوقع السفر قبل انتهاء فترة الحيض، وضميري يؤنبني لما فعلت، وخاصة أنه محرم، وقد ندمت، وتبت مما فعلت حقا، وأقسمت أن لا أكرره، مهما حصل، فماذا أفعل الآن، لأكفر عن ذنبي؛ لكي يقبل الله توبتي؟ وهل هناك كفارة، أو أي شيء أفعله لأكفر عن ذنبي؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل توبتك، ويمحو حوبتك، ووطء الحائض في فرجها محرم -ولو مع وجود حائل- كما بينا في الفتوى: 383095.
وبناء عليه فيجب عليك التوبة إلى الله مما فعلت، وذلك بالندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه.
واختلف العلماء في وجوب الكفارة على من غيب حشفته -رأس الذكر- في فرج زوجته، وهي حائض؛ فذهب الجمهور إلى عدم وجوب الكفارة، وأنه لا يجب سوى التوبة.
وذهب الحنابلة إلى وجوب الكفارة، وهي: دينار، أو نصف دينار -على التخيير- وهو المرجح عندنا، جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: فإن أولج من يجامع مثله الحشفة، أو قدرها من مقطوعها، في فرج حائض قبل انقطاعه ـ أي: الحيض... ولو بحائل لفه على ذكره... فعليه - أي: المولج - كفارة دينار، زنته مثقال، خال من غش، أو نصفه على التخيير؛ لحديث ابن عباس مرفوعا في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بدينار، أو نصف دينار ـ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وتخيره بين الشيء، ونصفه، كتخيير المسافر بين القصر، والإتمام، أو كان ناسيا الحيض، أو كان جاهل حيض وتحريم؛ لعموم الخبر، وكالوطء في الإحرام، وكذا هي، أي: والمرأة كالرجل في الكفارة، قياسا عليه، إن طاوعته على الوطء، فإن أكرهها، فلا كفارة عليها، وقياسه لو كانت ناسية، أو جاهلة. اهـ.
والدينار يقدر بالوزن الحالي بما يساوي: أربعة جرامات، وربع، من الذهب الخالص، وانظر الفتويين: 383095، 13492.
وإخراج الكفارة ليس شرطا في صحة التوبة، بل هو واجب مستقل زائد عن التوبة، وقد حقق بعض العلماء أن إخراج ما وجب في الزكاة، أو رد المظالم إلى أهلها، ليست شروطا لصحة التوبة، بل هي واجبات مستقلة زائدة عن التوبة.
جاء في الفواكه الدواني على رسالة للنفراوي: وحقيقة التوبة اصطلاحا وشرعا: الندم على المعصية، من حيث هي معصية، مع عزم أن لا يعود إليها إذا قدر، فمن ندم على شرب الخمر، لما فيه من الصداع، أو لإضاعة المال، لم يكن تائبا... وحقيقة الندم تحزن، وتوجع على الفعل، وتمني كونه لم يقع... وإذا لم يرد المظالم مع الإمكان: فصحح الإمام توبته مع الجمهور، وقيل إنها لا تصح إلا برد المظالم إلى أهلها...
قال في شرح المقاصد: ثم المعصية الذي يتوب منها إن كانت في خالص حق الله تعالى، فقد يكفي الندم، كما في ارتكاب الفرار عند الزحف، وترك الأمر بالمعروف، وقد يفتقر إلى أمر زائد كتسليم النفس في الشرب، وتسليم ما وجب في ترك الزكاة، وإن تعلقت بحقوق العباد لزم مع الندم رضا العبد، أو بذله إليه إن كان الذنب ظلما، كما في الغصب، وقتل العمد، ولزم إرشاده إن كان الذنب إضلالا له، واعتذاره إليه إن كان إيذاء، كما في الغيبة، ولا يلزم تفصيل ما اغتابه به، إلا إذا بلغه على وجه أفحش، ولكن التحقيق: أن هذا الزائد واجب آخر، خارج عن التوبة، لقول إمام الحرمين: إن القاتل إذا ندم من غير تسليم نفسه للقصاص، صحت توبته في حق الله تعالى، وكان منع نفسه من مستحق القصاص معصية متجددة تستدعي توبة، ولا تقدح في التوبة من القتل. اهـ.
والله أعلم.