السؤال
لدي بيت اشتريته قبل سنتين، وأوقفته على ابنتي الاثنتين. لقد تعطلت منافع هذا البيت بسبب سوء المنطقة، وكذلك المستأجرون لا يدفعون الإيجار.
أريد بيع هذا البيت، واستبداله ببيت آخر في منطقة أحسن؛ لكي يكون أفضل وأحسن، ويحقق الغرض من وقفه أصلا.
وكذلك ماذا سيكون حكم هذا الوقف إذا رزقني الله -عز وجل- بأولاد أكثر، سواء كانوا ذكورا أو إناثا. لأنه إذا ولد لي ابن أو بنت مثلا، فسيكون هذا الوقف موقوفا على بعض أولادي دون بعض. أليس هذا من الظلم؟
وهل يجوز لي أن أزيد في من يشملهم الوقف من أولادي، إذا رزقني الله بهم؛ لئلا يكون الوقف خاصا ببعضهم دون بعض؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع الوقف لشراء غيره مما هو أصلح وأقرب لتحقيق مصلحة الوقف، مشروع على الراجح من أقوال أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: مع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه؛ لظهور المصلحة. اهـ.
وقال أيضا: وأما ما وقف للغلة إذا أبدل بخير منه: مثل أن يقف دارا أو حانوتا أو بستانا، أو قرية يكون مغلها قليلا، فيبدلها بما هو أنفع للوقف. فقد أجاز ذلك أبو ثور وغيره من العلماء: مثل أبي عبيد بن حربويه، قاضي مصر، وحكم بذلك. وهو قياس قول أحمد في تبديل المسجد من عرصة إلى عرصة للمصلحة. اهـ.
وانظر للتفصيل، الفتوى: 6609.
وأما ما يمكن أن يولد للسائل من أولاد، فلا يدخلون في هذا الوقف الذي خصه بابنتيه وسماه لهما، وهو بذلك قد حرم من عداهما ممن يمكن وجوده بعد ذلك! وقد كان الأوفق له أن يوقف عليهما وعلى من يولد له بعد ذلك، أو يوقف على ولده ويطلق دون تسمية ابنتيه، فإنه إن فعل ذلك دخل في الوقف ما يولد له بعد ذلك عند جمهور العلماء.
قال ابن رجب في قواعده: تمليك المعدوم والإباحة له نوعان:
أحدهما: أن يكون بطريق الأصالة؛ فالمشهور: أنه لا يصح.
والثاني: أن يكون بطريق التبعية؛ فيصح في الوقف والإجازة.
وهذا إذا صرح بدخول المعدوم، فأما إن لم يصرح، وكان المحل لا يستلزم المعدوم؛ ففي دخوله خلاف ...
ويتخرج على هذه القاعدة مسائل ...
منها: لو وقف على ولده وولد ولده أبدا، أو ومن يولد له؛ فيصح بغير إشكال، نص عليه.
ومنها: لو وقف على ولده، وله أولاد موجودون، ثم حدث له ولد آخر؛ ففي دخوله روايتان. اهـ.
وما دام السائل قد خص ابنتيه وعينهما في الوقف، فلا يصح بعد ذلك أن يغير شيئا في الموقوف عليهم بإضافة، أو حذف أو تغيير؛ لأن الوقف عقد لازم عند جمهور الفقهاء، فمتى وجد بشروطه لزم صاحبه، وخرج الموقوف عن ملك الواقف، وزال عنه حق التصرف فيه.
ولزوم الوقف يقتضي عدم تغيير الجهة أو الأشخاص الموقوف عليهم، حتى إن كثيرا من الفقهاء لا يعتبر اشتراط الواقف ذلك لنفسه حين إنشاء الوقف، فضلا عن طروئه عليه بعد انعقاده. كما سبق بيانه في الفتوى: 467419.
والله أعلم.