السؤال
حلفت أن لا أدفع مبلغ 3.30 جم لدى شركة اتصالات؛ لقيامهم بالحجز على رقمي منذ 24/ 12 حتى الآن، وعندما علمت اليوم أن المبلغ مستحق عن فترة أكثر من 6 أشهر، وكان حلفي بقصد أن هذا غير مستحق علي. وعندما علمت باستحقاقه عن فترة سابقة دفعت 3.50 جم.
هل هذا يمين غموس؟
وفقكم الله، وسدد خطاكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذه اليمين ليست غموسا، فاليمين الغموس هي الحلف على أمر ماض كاذبا عامدا.
جاء في كشاف القناع للبهوتي: (وهي) أي اليمين على الماضي (نوعان غموس وهي التي يحلف بها) على الماضي (كاذبا عالما) سميت غموسا؛ لأنها (تغمسه) أي الحالف بها (في الإثم، ثم في النار، ولا كفارة فيها) لقول ابن مسعود " كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس". رواه البيهقي بإسناد جيد. وهي من الكبائر للخبر الصحيح. اهـ.
وإذا حلفت أن لا تدفع بسبب ظنك أن المبلغ غير مستحق عليك؛ فإنك لا تحنث بدفع المبلغ، إذا تبين أنه مستحق عليك، لأن مبنى الأيمان على نية الحالف، ثم على سبب اليمين وباعثها.
جاء في الكافي لابن قدامة: ومبنى الأيمان على النية، فمتى نوى بيمينه ما يحتمله، تعلقت يمينه بما نواه، دون ما لفظ به، سواء نوى ظاهر اللفظ، أو مجازه، مثل أن ينوي موضوع اللفظ، أو الخاص بالعام، أو العام بالخاص، أو غير ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وإنما لكل امرئ ما نوى، فتدخل فيه الأيمان ...، وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش، يريد قطع منته، تناولت يمينه كل ما يمتن به؛ لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه ... ومن لم تكن له نية، وكان ليمينه سبب هيجها، يقتضي معنى أعم من اللفظ، مثل من امتنت عليه زوجته، فحلف لا يشرب لها الماء من العطش، أو لا يلبس ثوبا من غزلها، أو حلف: لا يأوي معها في دار، لسبب يقتضي جفاءها، فحكمه حكم القاصد كذلك؛ لأن السبب دليل على النية والقصد، فقام مقامه. اهـ.
وفي عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس: اعلم أن المقتضيات للبر، والحنث أمور:
الأول: النية، إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها، كانت مطابقة له، أو زائدة فيه، أو ناقصة عنه بتقييد مطلقه، وتخصيص عامه.
الثاني: السبب المثير لليمين ليتعرف منه، ويعبر عنه بالبساط أيضا، وذلك أن القاصد إلى اليمين لابد أن تكون له نية، وإنما يذكرها في بعض الأوقات، وينساها في بعضها، فيكون المحرك على اليمين وهو البساط دليلا عليها .اهـ.
وجاء في الشرح الكبير للدردير المالكي: إن عدمت النية، أو لم تضبط، خصص، وقيد بساط يمينه، وهو السبب الحامل على اليمين؛ إذ هو مظنة النية، فليس هو انتقالا عن النية، بل هو نية ضمنا، مثاله قول ابن القاسم: فيمن وجد الزحام على المجزرة، فحلف لا يشتري الليلة لحما، فوجد لحما دون زحام، أو انفكت الزحمة، فاشتراه، لا حنث عليه، وكذا لو سمع طبيبا يقول: لحم البقر داء، فحلف لا آكل لحما، فلا يحنث بلحم ضأن؛ لأن السبب الحامل كونه داء، وليس الضأن كذلك، فيخصص لفظه العام بلحم البقر، كما يقيده شراؤه في الأول بوقت الزحمة. اهـ.
والله أعلم.