السؤال
هل يجزئ أن أسقي: 10 مساكين حليبا، كل واحد منهم: 500 ملليلترـ نصف لترـ من الحليب، عبارة عن كفارة يمين -إطعام 10 مساكين.
هل يجزئ أن أسقي: 10 مساكين حليبا، كل واحد منهم: 500 ملليلترـ نصف لترـ من الحليب، عبارة عن كفارة يمين -إطعام 10 مساكين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكفارة اليمين بينها الله جل وعلا في قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم {المائدة:89}.
والإطعام المذكور هو: أن يعطى كل مسكين نصف صاع من قوت البلد، من تمر وغيره، أو يغدى، أو يعشى، من أوسط ما يطعم الإنسان أهله، والراجح أن مقدار الطعام المجزئ في كفارة اليمين، ونوعه يرجع فيه إلى أعراف الناس، وعاداتهم في كل بلد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض كلامه عن كفارة اليمين: وإذا اختار أن يطعم عشرة مساكين فله ذلك، ومقدار ما يطعم: مبني على أصل، وهو أن إطعامهم: هل هو مقدر بالشرع؟ أو بالعرف؟ فيه قولان للعلماء، منهم من قال: هو مقدر بالشرع.....
والقول الثاني: أن ذلك مقدر بالعرف، لا بالشرع؛ فيطعم أهل كل بلد من أوسط ما يطعمون أهليهم قدرا ونوعا.... والمنقول عن أكثر الصحابة، والتابعين هذا القول -يعني الثاني- ولهذا كانوا يقولون الأوسط: خبز ولبن، خبز وسمن، خبز وتمر، والأعلى خبز ولحم، وقد بسطنا الآثار عنهم في غير هذا الموضع، وبينا أن هذا القول هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، وهو قياس مذهب أحمد وأصوله، فإن أصله أن ما لم يقدره الشارع فإنه يرجع فيه إلى العرف، وهذا لم يقدره الشارع، فيرجع فيه إلى العرف، لا سيما مع قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم..... وقد تنازع العلماء في الأدم: هل هو واجب، أو مستحب؟ على قولين، والصحيح أنه إن كان يطعم أهله بأدم أطعم المساكين بأدم، وإن كان إنما يطعم بلا أدم، لم يكن له أن يفضل المساكين على أهله، بل يطعم المساكين من أوسط ما يطعم أهله. انتهى مختصرا من مجموع الفتاوى.
وعليه؛ فإن كان هذا المقدار من اللبن يعتبر من أوسط ما تطعمون به أهليكم في بلدكم، فيجوز لك أن تطعمه المساكين كفارة عن اليمين، وهو ما اختاره ابن القيم موافقا لشيخه ابن تيمية في تأصيله السابق، حيث جوز لمن كان قوته اللبن أن يخرجه في زكاة الفطر، والقياس أن الكفارة كذلك، قال -رحمه الله- في أعلام الموقعين: المثال الرابع: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط ـ وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة، فأما أهل بلد، أو محلة قوتهم غير ذلك، فإنما عليهم صاع من قوتهم، كمن قوتهم الذرة، والأرز، أو التين، أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن، واللحم، والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره؛ إذ المقصود سد خلة المساكين. انتهى.
والخلاصة أن إعطاء اللبن وحده للمسكين في الكفارة محل خلاف، والذي نرى هو الإجزاء، إذا كان من أوسط طعام أهليكم في عرفكم، ومع ذلك، فالأحوط الخروج من الخلاف، بإخراج ما هو متفق على إجزائه، أو إذا أردت أن تخرج اللبن فأخرج معه الخبز ونحوه، كما هو مذهب المالكية، قال التتائي في جواهر الدرر، في حل ألفاظ المختصر: ولما كان المد غير متعين، بل يشاركه في الأجزاء أمران، كل منهما مظنة، أشار لأحدهما بقوله: أو رطلان خبزا بالبغدادي، بأدم لحم، أو لبن، أو زيت، أو بقل، أو قطنية، وأعلاه اللحم، ووسطه اللبن، وأدناه الزيت، الشيخ أبو الحسن: المراد باللبن الحليب، لا المضروب. انتهى.
والله أعلم.