السؤال
كنت آخذ ملابس من أقاربي دون علمهم، وألبسها، ثم أعيدها دون إخبارهم. وأريد التوبة من هذا. فهل علي حقوق مادية؛ لأني استخدمت الثياب، أو إن إرجاعها كاف؟
وهل يجب علي أن أخبرهم، علما أن ذلك سوف يسبب مشاكل بيننا، أو يكفي أن أدعو لهم، أو أتصدق عنهم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن ينتفع، أو يستخدم مال غيره إلا بطيب نفس منه؛ لما رواه الإمام أحمد في المسند وغيره، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا: ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه. صححه الأرناؤوط.
ولذلك، فإن عليك أن تتوب إلى الله وتستغفره، وتستسمح من تعديت عليهم. ويمكن أن تطلب منهم السماح على العموم بدون ذكر التعدي أو غيره، تجنبا للمفسدة.
ويتأكد طلب السماح إذا كان وقع نقص، أو فساد فيما تعديت؛ لأن المتعدي إذا كان آثما، فهو ضامن أيضا؛ لما رواه أبو داود والترمذي عن سمرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤدي. حسنه الأرناؤوط.
ولذلك فإن قولك: وهل يكون علي حقوق مادية... ؛ فجوابه أن عليك قيمة ما نقص من تلك الثياب، أو فسد منها، أو أجرتها مدة استعمالها -إذا كانت تستأجر- ؛ لاتفاق العلماء على أن من أتلف شيئا، أو استهلكه، أو أخذه؛ لزمته قيمته، أو مثله.
قال ابن أبي زيد -المالكي- في الرسالة، عند كلامه على التعدي على مال الغير: ومن استهلك عرضا فعليه قيمته، وكل ما يوزن أو يكال فعليه مثله، والغاصب ضامن لما غصب. فإن رد ذلك بحاله فلا شيء عليه، وإن تغير في يده؛ فربه مخير بين أخذه بنقصه، أو تضمينه القيمة، ولو كان النقص بتعديه خير أيضا في أخذه، وأخذ ما نقصه. انتهى.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب، فإنها تنقسم عند مالك إلى قسمين:
1- جناية تبطل يسيرا من المنفعة، والمقصود من الشيء باق؛ فهذا يجب فيه ما نقص يوم الجناية، وذلك بأن يقوم صحيحا، ويقوم بالجناية، فيعطى ما بين القيمتين.
2- وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود; فإن صاحبه يكون مخيرا إن شاء أسلمه للجاني، وأخذ قيمته، وإن شاء أخذ قيمة الجناية. وقال الشافعي وأبو حنيفة: ليس له إلا قيمة الجناية. انتهى.
وقال الحطاب في مواهب الجليل: والتعدي الانتفاع بمال الغير دون حق فيه؛ خطؤه كعمده. اهـ.
وقال عليش في فتح العلي المالك: والمتعدي يضمن ما أتلف بانتفاعه. اهـ.
- هذا إذا إن كان وقع في الثياب نقص، أو تلف، أو كانت تستأجر.
أما إذا كنت رددتها بحالها، ولم تكن تستأجر؛ فلا شيء عليك غير التوبة؛ لقول ابن أبي زيد: فإن رد ذلك بحاله، فلا شيء عليه. اهـ.
والحاصل أن عليك أن تتوب إلى الله -تعالى- وإن كان وقع نقص في الثياب أن تعوضه، أو تستسمح أقاربك منه، ولو بطريق غير مباشر؛ فإن التائب من الذنب، كمن لا ذنب له.
والله أعلم.