السؤال
إذا اشترطت المرأة مهرا، سواء كان مالا، أو عملا معينا يفعله الخاطب، وغشها فيه كأن يعطيها مالا مزورا مثلا، أو أن لا يفعل ما طلبت، ويقول إنه قد فعله، أو يوكل غيره بفعله، فما حكم هذا الزواج؟ وما حكم جماعهما؟ وإذا كان الزواج صحيحا؟ فهل يفسخ عقد النكاح حال علم الزوجة؟
وجزاكم الله عنا كل الخير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمهر يصح أن يكون عينا، كالنقود وغيرها، ويصح أن يكون منفعة على الصحيح؛ كتعليم الزوجة شيئا من القرآن، أو غيره من العلوم النافعة، وإذا صحت تسمية المهر؛ وجب المسمى للزوجة بالعقد، واستقر بالدخول، ويجوز للزوجة أن تمنع تسليم نفسها للزوج حتى يدفع إليها مهرها المعجل، وكذا إذا سلم لها المهر معيبا -كما لو دفع لها نقدا مزورا- فلها منع نفسها من التسليم حتى يبدله بغير المعيب.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وكل ما جاز ثمنا في البيع، أو أجرة في الإجارة، من العين والدين، والحال والمؤجل، والقليل والكثير، ومنافع الحر والعبد، وغيرهما، جاز أن يكون صداقا... فإن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها، وكان حالا، فلها ذلك، قال ابن المنذر: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها، حتى يعطيها مهرها..... وإن أخذت الصداق، فوجدته معيبا، فلها منع نفسها حتى يبدله، أو يعطيها أرشه؛ لأن صداقها صحيح، وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها، خرج على الوجهين، فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها، ثم بدا لها أن تمتنع. انتهى.
وإذا كان المهر منفعة؛ ففي جواز توكيل الزوج غيره في هذه المنفعة؛ تفصيل؛ فإن التزم بذل المنفعة بنفسه أو بغيره؛ فله التوكيل؛ وأما إذا التزم مباشرة الخدمة بنفسه؛ فليس له توكيل غيره.
قال ابن قدامة -رحمه الله: فإن أصدقها تعليم سورة لا يحسنها نظرت، فإن قال: أحصل لك تعليم هذه السورة صح، لأن هذه منفعة في ذمته لا تختص به، فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها له، وإن قال: علي أن أعلمك، فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح، لأنه تعين بفعله، وهو لا يقدر عليه، فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له، وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة؛ لأن هذه تكون في ذمته، فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال...... وإن أتاها بغيره يعلمها، لم يلزمها قبول ذلك؛ لأن المعلمين يختلفون في التعليم، ولأن لها غرضا في التعلم منه، لكونه زوجها تحل له ويحل لها. انتهى.
أما حكم الزواج والاستمتاع بين الزوجين؛ فلا أثر للمهر على صحته؛ ولا ينفسخ الزواج بفساد المهر، أو الامتناع من تسليمه.
جاء في شرح الزركشي على مختصر الخرقي: إذ العقد لا ينفسخ بذلك، لأنه لا يفسد بفساد الصداق، ولا بعدمه، فبكونه معيبا أولى، وغايته أنه قد عدم الصداق في العقد، وذلك لا يفسده. انتهى.
وغاية ما يكون عند فساد تسمية المهر؛ أن يثبت للزوجة مهر المثل.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: إذا سمى لها تسمية فاسدة، وجب مهر المثل بالغا ما بلغ. انتهى.
أما إذا كان المقصود بالسؤال؛ اشتراط المرأة في العقد على الزوج شروطا لا تخالف الشرع، ولا تنافي مقتضى العقد، كاشتراط زيادة في المهر، أو نقد معين، أو نحو ذلك مما فيه مصلحة لها؛ فهذه الشروط صحيحة عند بعض أهل العلم -وهو القول الراجح عندنا- وإذا لم يف الزوج بالشرط؛ فلا يبطل الزواج بعدم الوفاء بالشرط؛ لكن للزوجة فسخ الزواج حينئذ إن أرادت، وراجع الفتوى: 245755.
والله أعلم.