السؤال
الحنفية يقولون إن القراءة فرض في ركعتين، وفي كتاب بذل المجهود، عند شرح حديث المسيء صلاته: افعل ذلك في كل ركعة ـ أي ما ذكر، بما يمكن تكريره، فخرج نحو تكبيرة الإحرام، وأيضا: لو يحمل هذا اللفظ على عمومه يلزم وجوب تكبيرة الافتتاح في كل ركعة، فهل يمكن توضيح هذا الإشكال؟ وما هو حكم من يتبع مذهب أبي حنيفة في فرض القراءة في ركعتين.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب الحنفية أن القراءة -أي قراءة آية، لا الفاتحة بخصوصها- فرض في ركعتين من ركعات الفريضة.
قال ابن عابدين: قوله: ومنها القراءة، أي قراءة آية من القرآن، وهي فرض عملي في جميع ركعات النفل والوتر، وفي ركعتين من الفرض، كما سيأتي متنا في باب الوتر والنوافل، وأما تعيين القراءة في الأوليين من الفرض: فهو واجب، وقيل سنة، لا فرض، كما سنحققه في الواجبات، وأما قراءة الفاتحة والسورة، أو ثلاث آيات فهي واجبة أيضا -كما سيأتي- فرع: قد تفرض القراءة في جميع ركعات الفرض الرباعي، كما لو استخلف مسبوقا بركعتين وأشار له أنه لم يقرأ في الأوليين، كما سيأتي في باب الاستخلاف. انتهى.
والفرض عندهم هو ما تبطل الصلاة بتركه بكل حال، وأما قراءة الفاتحة في كل ركعة: فإنها عندهم من الواجبات، وقد قرر حكم الواجبات الحصكفي في الدر المختار، فقال ما لفظه: ولها واجبات لا تفسد بتركها، وتعاد وجوبا في العمد والسهو إن لم يسجد له، وإن لم يعدها يكون فاسقا آثما، وكذا كل صلاة أديت مع كراهة التحريم تجب إعادتها. انتهى.
ثم ذكر الحصكفي أن قراءة الفاتحة من واجبات الصلاة، ومنها ضم ثلاث آيات قصار إليها في الأوليين.
قال الحصكفي: وهي على ما ذكره أربعة عشر قراءة فاتحة الكتاب، فيسجد للسهو بترك أكثرها، لا أقلها، لكن في المجتبى يسجد بترك آية منها، وهو أولى، قلت: وعليه، فكل آية واجبة ككل تكبيرة عيد، وتعديل ركن، وإتيان كل، وترك تكرير كل، كما يأتي فليحفظ، وضم أقصر سورة كالكوثر، أو ما قام مقامها، هو ثلاث آيات قصار، نحو: ثم نظر {المدثر: 21} ثم عبس وبسر {المدثر: 22} ثم أدبر واستكبر {المدثر: 23} وكذا لو كانت الآية أو الآيتان تعدل ثلاثا قصارا، ذكره الحلبي، في الأوليين من الفرض، وهل يكره في الأخريين؟ المختار لا، وفي جميع ركعات النفل، لأن كل شفع منه صلاة، وكل الوتر احتياطا. انتهى.
فهذا تحرير مذهب الحنفية في القراءة في الصلاة، ولا شك في أن مذهب الحنفية من المذاهب الأربعة المتبوعة التي اعتمد أصحابها على أدلة الكتاب والسنة فيما قرروه، فتقليدهم سائغ في هذه المسألة وغيرها، إذا لم يتبين للشخص مصادمة قولهم للنصوص الواضحة، ونحن نفتي بأن الفاتحة بخصوصها ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة، لحديث عبادة في الصحيحين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
وأما الإشكال الذي أوردته من كلام صاحب بذل المجهود: فإنه لما تعرض لشرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ـ ذكر أن الشافعية استدلوا به على فرضية القراءة في كل ركعة، فقال لهم، لو كان ذلك كذلك لوجبت تكبيرة الافتتاح في كل ركعة، وعبارة صاحب بذل المجهود: ثم افعل ذلك، أي ما ذكر بما يمكن تكريره، فخرج نحو تكبيرة الإحرام في صلاتك كلها، أي في كل الركعات منها، استدل الشافعية بهذه الجملة على فرضية القراءة في الركعات كلها، والجواب عنه أن هذا اللفظ لو يحمل على عمومه يلزم وجوب تكبيرة الافتتاح في الركعات كلها، ووجوب جلسة الاستراحة وغيرها، فما كان جوابهم عنها، فهو جوابنا عن هذا. انتهى.
وجواب هذا الإيراد من جهة الجمهور سهل، فإنه قال في شرح: مما يمكن تكريره، ولا كذلك تكبيرة الافتتاح، بخلاف القراءة، فإن تكريرها ممكن، فهي كالركوع والسجود الواجب الإتيان به في كل ركعة، ويؤيد هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية، وعدم إخلاله بالقراءة في كل ركعة من ركعات الصلاة، كما نقل عنه الصحابة تواترا في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أننا لا نفتي بمذهب الحنفية في هذه المسألة، وإنما نفتي بقول الجمهور، وهو فرضية الفاتحة بخصوصها في كل ركعة من ركعات الصلاة، وبسط الدلائل في تلك المسألة ومناقشة الأقوال مما يطول جدا، ولا تتسع له هذه الفتوى المبنية على الاختصار، والعامي يقلد أوثق الناس في نفسه، كما بيناه في الفتوى: 120640.
وأما ما يفعله عند اشتباه الأقوال: فقد بيناه في الفتوى: 169801، فلتنظر.
والله أعلم.