السؤال
كنت في المسجد، وسقط مني مصحف من مصاحف المسجد دون قصد، ونتيجة لذلك السقوط انقطع الجلد.
فهل علي أن أحضر مصحفا للمسجد غيره؟
كنت في المسجد، وسقط مني مصحف من مصاحف المسجد دون قصد، ونتيجة لذلك السقوط انقطع الجلد.
فهل علي أن أحضر مصحفا للمسجد غيره؟
الفتوى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تناولت المصحف، واستعملته على الوجه المعتاد من غير تعد، ولا تفريط، فلا ضمان عليك فيه؛ لأن المصاحف إنما توقف، وتوضع في المساجد لتستعمل، فمن استعملها فقد فعل ما أذن له فيه الشرع، فلا يضمن إلا بالتعدي في الاستعمال، أو التفريط في المحافظة عليها.
قال البهوتي في كتابه كشاف القناع: ولو استعار وقفا ككتب علم وغيرها، كأدراع موقوفة على الغزاة، فتلفت بغير تفريط، ولا تعد؛ فلا ضمان. انتهى.
وأما إن كان الذي حصل للمصحف حصل له بسبب سوء الاستعمال، أو التفريط في المحافظة عليه، وليس بسبب الاستعمال العادي.
فالواجب عليك أن تصلح ما انقطع من جلده بسبب سقوطه منك حتى يعود كما كان؛ لأن المصحف موقوف على المسجد. ومن تسبب في تلف شيء من الأوقاف؛ فإنه يضمن إصلاحه إن أمكن، وإلا ضمن بدله، ولا ينظر في إتلاف المال المحترم إلى كونه حصل عمدا، أو عن طريق الخطأ؛ لأن الخطأ والعمد في باب إتلاف المال سواء في وجوب الضمان.
قال ابن عبد البر في كتابه الاستذكار: الأمر المجتمع عليه عندنا في ذلك أن الأموال تضمن بالعمد والخطأ. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: ما ضمن في العمد ضمن في الخطأ. انتهى.
قال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني:... الذي يأتي لبائع الفخار، ويقول له: قلب ما يعجبك، فيأخذ شيئا يقلبه، فيسقط من يده قهرا على شيء فيتلفه؛ فإنه يضمن قيمة المسقوط عليه مع أن السقوط بغير اختياره؛ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء. انتهى.
وإنما يثبت ضمان المتلفات مطلقا، سواء كان سبب الإتلاف هو العمد، أو الخطأ؛ لأن ضمانها من باب الحكم الوضعي، وليس من باب الحكم التكليفي، ولذلك يتعلق الضمان بأفعال غير المكلفين كالصبي، والمجنون، والنائم.
والحكم الوضعي هو: ما ربط فيه الشارع بين أمرين على سبيل السبب، أو الشرط، أو المانع. قال النفراوي المالكي في (الفواكه الدواني): وكل من استهلك عرضا ... فعليه غرم قيمته لربه، ولو استهلكه خطأ، ولو غير بالغ، ولو مكرها؛ لأن الضمان من باب خطاب الوضع. انتهى.
والفرق الأساس بين العمد والخطأ في باب المتلفات أن الخطأ يرفع الإثم.
قال ابن القيم: الخطأ والعمد اشتركا في الإتلاف الذي هو علة للضمان، وإن افترقا في علة الإثم. وربط الضمان بالإتلاف من باب ربط الأحكام بأسبابها، وهو مقتضى العدل الذي لا تتم المصلحة إلا به. كما أوجب على القاتل خطأ دية القتيل، ولذلك لا يعتمد التكليف؛ فيضمن الصبي، والمجنون، والنائم ما أتلفوه من الأموال، وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح الأمة إلا بها؛ فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم لأتلف بعضهم أموال بعض، وادعى الخطأ، وعدم القصد.
وهذا بخلاف أحكام الإثم، والعقوبات؛ فإنها تابعة للمخالفة، وكسب العبد، ومعصيته؛ ففرقت الشريعة فيها بين العامد، والمخطئ. انتهى.
وما قيل في ضمان أموال الناس، يقال كذلك في الأموال الموقوفة؛ فإنها مضمونة على من أتلفها مطلقا سواء كان إتلافها عمدا، أم عن طريق الخطأ.
والله أعلم.