توضيحات حول قول: نور الشمس هو نور الله

0 36

السؤال

‏ما حكم قول: نور الله على نور الشمس ـ ويقصد أن النور من الله، حيث سمعت أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: لا يقال هذا القول؟ وهل هذا الأمر محرم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أريد أن نور الشمس مخلوق لله تعالى، وأضيف إليه بهذا الاعتبار، فقيل هي نور الله -أي نور مخلوق لله- فهذا حق لا حرج فيه، وهذا كإضافة بيت الله، وناقة الله، ونحوها، وهو كقولنا إن الجنة رحمة الله -أي رحمته المخلوقة- وأما رحمته التي هي صفته فشيء آخر، وكذا النور الذي هو صفته شيء آخر، ولذا، فإن أريد بقولنا إن الشمس نور الله أنها عين صفته تعالى، فهذا باطل قطعا، فإن الله تعالى لا يحل في شيء من مخلوقاته، ونوره الذي هو صفته شيء وراء الوصف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: النور لم يضف قط إلى الله إذا كان صفة لأعيان قائمة، فلا يقال في المصابيح التي في الدنيا؛ إنها نور الله، ولا في الشمس، والقمر، وإنما يقال كما قال عبد الله بن مسعود: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات من نور وجهه، وفي الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ـ وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة. انتهى.

وقال كذلك بعده: الأنوار المخلوقة كالشمس والقمر، تشرق لها الأرض في الدنيا، وليس من نور إلا وهو خلق من خلق الله. انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله: الوجه السادس: وهو أن الحديث تضمن ثلاثة أمور شاملة عامة للسماوات والأرض، وهو: ربوبيتها، وقيوميتها، ونورهما، فكونه سبحانه ربا لهما، وقيوما لهما، ونورا لهما، أوصاف له، فآثار ربوبيته، وقيوميته، ونوره، قائمة بهما، وصفة الربوبية، ومقتضاها هو المخلوق المنفصل، وهذا كما أن صفة الرحمة، والقدرة، والإرادة، والرضى، والغضب قائمة به سبحانه، والرحمة الموجودة في العالم، والإحسان، والخير، والنعمة، والعقوبة آثار تلك الصفات، وهي منفصلة عنه، وهكذا علمه القائم به هو صفته، وأما علوم عباده: فمن آثار علمه، وقدرتهم من آثار قدرته، فالتبس هذا الموضع على منكري نوره سبحانه، ولبسوا من جرم الشمس، والقمر والنار، فلا بد من حمل قوله: نور السماوات والأرض {النور: 35} على معنى أنه منور السماوات والأرض، وهاد لأهل السماوات والأرض، وحينئذ فنقول في: الوجه السابع: أسأتم الظن بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حيث فهمتم أن حقيقة مدلوله أنه سبحانه هو هذا النور الواقع على الحيطان والجدران، وهذا الفهم الفاسد هو الذي أوجب لكم إنكار حقيقة نوره وجحده، وجمعتم بين الفهم الفاسد وإنكار المعنى الحق، وليس ما ذكرتم من النور هو نور الرب القائم به الذي هو صفته، وإنما هو مخلوق له منفصل عنه، فإن هذه الأنوار المخلوقة إنما تكون في محل دون محل، فالنور الفائض عن النار، أو الشمس، أو القمر، إنما هو نور لبعض الأرض دون بعض، فإنا نعلم أن نور الشمس الذي هو أعظم من نور القمر، والكواكب، والنار، ليس هو نور جميع السماوات والأرض ومن فيهن، فمن ادعى أن ظاهر القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم أن نور الرب سبحانه هو هذا النور الفائض فقد كذب على الله ورسوله، فلو كان لفظ النص: الله هو النور الذي تعاينونه، وترونه في السماوات والأرض لكان لفهم هؤلاء وتحريفهم مستندا ما، أما ولفظ النص: الله نور السماوات والأرض {النور: 35} فمن أين يدل هذا بوجه ما أنه النور الفائض عن جرم الشمس، والقمر، والنار؟ فإخراج نور الرب تعالى عن حقيقته، وحمل لفظه على مجازه، إنما استند إلى هذا الفهم الباطل الذي لم يدل عليه اللفظ بوجه.

الوجه الثامن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية بقوله: أنت نور السماوات والأرض ـ ولم يفهم منه أنه هو النورالمنبسط على الحيطان والجدران، ولا فهمه الصحابة عنه، بل علموا أن لنور الرب تعالى شأنا آخر هو أعظم من أن يكون له مثال، قال عبد الله بن مسعود: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه ـ فهل أراد ابن مسعود أن هذا النور الذي على الحيطان ووجه الأرض هو عين نور الوجه الكريم، أو فهم هذا عنهم ذو فهم مستقيم؟! فالقرآن والسنة وأقوال الصحابة -رضي الله عنهم- متطابقة، يوافق بعضها بعضا، وتصرح بالفرق الذي بين النور الذي هو صفته، والنور الذي هو خلق من خلقه، كما تفرق بين الرحمة التي هي صفته، والرحمة التي هي مخلوقة، ولكن لما وجدت في رحمته سميت برحمته، وكما أنه لا يماثل في صفة من صفات خلقه، فكذلك نوره سبحانه، فأي نور من الأنوار المخلوقة إذا ظهر للعالم وواجهه أحرقه؟ وأي نور إذا ظهر منه للجبال الشامخة قدرا ما جعلها دكا، وإذا كانت أنوار الحجب لو دنا جبرائيل من أدناها لاحترق، فما الظن بنور الذات. انتهى من مختصر الصواعق، وله تتمة سابغة.

والحاصل أن من قال: نور الشمس هو نور الله ـ فإن أراد أنه نور مخلوق لله فهو مصيب، وإن أراد أنه صفة الله جل اسمه فكلامه باطل منكر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة