السؤال
كيف يكون الإمام أبو حنيفة ضعيفا في الحديث، وهو إمام المسلمين، وأحد أعمدة الفقه؟
لقد علمت أن الإمام حفصا متروك الحديث؛ لاشتغاله بالقرآن عن الحديث. وأجد هذا منطقيا، ولكن أبا حنيفة وهو إمام في الفقه، المعتمد على أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآثاره. كيف يكون هذا؟
وحبذا لو تذكرون لي كتابا يكون مدخلا لدراسة المذهب الحنفي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الإمام أبا حنيفة النعمان بن ثابت من فقهاء المسلمين الكبار، وتضعيف حفظه وضبطه للحديث من قبل جمع من أئمة الحديث، لا يغض من إمامته ومنزلته في الفقه والدين.
وكما ذكرت في سؤالك؛ فإن ضعف المقرئ لا يستغرب؛ وذلك لاشتغاله بالقرآن عن الحديث.
فكذلك ضعف الفقيه في الحديث لا يستنكر، بسبب اشتغاله بالفقه والرأي، وعدم تفرغه لضبط الحديث والإسناد.
قال الألباني في السلسلة الضعيفة: الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- قد ضعفه من جهة حفظه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن عدي وغيرهم من أئمة الحديث، فأذكر هنا نصوص الأئمة المشار إليهم وغيرهم ممن صح ذلك عنهم ...
ثم قال: ولا يمس ذلك من قريب، ولا من بعيد مقام أبي حنيفة -رحمه الله- في دينه وورعه وفقهه. خلافا لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين، فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيهم أئمة الحديث من قبل حفظهم، وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعنا في دينهم وعدالتهم، كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة، وذلك مثل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي، وحماد بن أبي سليمان الفقيه، وشريك بن عبد الله القاضي، وعباد بن كثير وغيرهم، حتى قال يحيى بن سعيد القطان: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث، رواه مسلم في مقدمة صحيحه (1 / 13). وقال في تفسيره: يقول يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب، وروى أيضا عن عبد الله بن المبارك قال: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله (يعني في الصلاح والتقوى) وإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال: سفيان: بلى، قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه.
قلت: فهذا هو الحق والعدل، وبه قامت السماوات والأرض، فالصلاح والفقه شيء، وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر، ولكل رجاله وأهله، فلا ضير على أبي حنيفة -رحمه الله- ألا يكون حافظا ضابطا، ما دام أنه صدوق في نفسه، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم ...
ولا ضير عليه في ذلك، فغايته ألا يكون محدثا ضابطا، وحسبه ما أعطاه الله من العلم والفهم الدقيق. حتى قال الإمام الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
ولذلك ختم الحافظ الذهبي ترجمة الإمام في " سير النبلاء " (5 / 288 / 1) بقوله وبه نختم:
قلت: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام، وهذا أمر لا شك فيه.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل. اهـ.
وانظر الفتويين: 43484 214978.
وأما الكتب التي تصلح مدخلا لدراسة المذهب الحنفي، فمنها:
كتاب: مدخل لدراسة المذهب الحنفي لعلي عثمان جرادي.
وكتاب: المدخل المفصل إلى الفقه الحنفي للدكتور صلاح أبو الحاج.
وغيرهما.
وراجع للفائدة الفتوى:280705.
والله أعلم.