هل قول الله تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. من سورة الفرقان، وقوله تعالى: يقول يا ليتني قدمت لحياتي. في سورة الفجر. خاصة بالكفار، أو يجوز الاستدلال بها للمؤمنين؟
حيث إني في حديث مع زوجي استدللت بهما على كون بعض الناس من المسلمين يسعى كل السعي لتحسين معيشته في الحياة الدنيا، ويفرط في بعض أمور الدين. وأن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها وكمالها، هي الحياة الآخرة.
فهل يصح هذا الاستدلال؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:          

فالآية الأولى من سورة الفرقان، وهي قوله تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا {الفرقان: 27}.

وهذه الآية تختص بالكافر، وقيل تشمل كل ظالم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: فأما الظالم المذكور ها هنا، فهو الكافر، وفيه قولان: أحدهما: أنه أبي بن خلف، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: عقبة بن أبي معيط، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة. اهـ. 

وقال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا}: يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول، وما جاء به من عند الله من الحق المبين، الذي لا مرية فيه، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعض على يديه حسرة وأسفا. وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط، أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} [الأحزاب:66 -68]، فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلا: {يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا}، يعني: من صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلالة من دعاة الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما. اهـ. 

أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: يقول ياليتني قدمت لحياتي {الفجر: 24}. 

وهذه الآية شاملة للكافر، وغيره، وقال بعض أهل العلم: إنها تختص بالكافر.

قال ابن كثير في تفسيره: وقوله تعالى: { يومئذ يتذكر الأنسان } أي عمله، وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه { وأنى له الذكرى } أي وكيف تنفعه الذكرى { يقول يا ليتني قدمت لحياتي } يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيا، ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعا. كما قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن محمد بن أبي عميرة، وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: لو أن عبدا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرما في طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولود أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر، والثواب. اهـ.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله عز وجل: يومئذ أي: يوم يجاء بجهنم، يتذكر الإنسان أي: يتعظ الكافر ويتوب. وقال مقاتل: هو أمية بن خلف، وأنى له الذكرى، أي: كيف له بالتوبة وهي في القيامة لا تنفع، يقول يا ليتني قدمت العمل الصالح في الدنيا لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها. اهـ. 

وفي تفسيرابن جزي: والمعنى: أن الإنسان يتذكر يوم القيامة أعماله في الدنيا، ويندم على تفريطه وعصيانه، والإنسان هنا جنس، وقيل: يعني عتبة بن ربيعة، وقيل: أمية بن خلف. اهـ. 

فتبين مما سبق أن الآيتين المذكورتين تشمل الكافر، وغيره على خلاف بين أهل العلم. 

ولا مانع من الاستدلال بالآية التي تختص بالكافر على أحوال بعض المسلمين المتصفين بما يتصف به ذلك الكافر من الندم على التفريط في الطاعات، والغفلة عنها، ومصاحبة أصدقاء السوء الذين يصدون عن سبيل الله، ونحو ذلك.

وقد جاء في تفسير ابن عطية -رحمه الله-: ثم وعظ -عز وجل- جميع العالم وحذرهم غرور الدنيا بنعيمها وزخرفها الشاغلة عن المعاد الذي له يقول الإنسان: يا ليتني ‌قدمت ‌لحياتي [الفجر: 24]، ولا ينفعه ليت يومئذ. انتهى.

 وراجعي المزيد عن هذا الموضوع، في الفتوى: 226585 وهي بعنوان: " تنزيل وإسقاط آيات الكفار على المؤمنين.. حالات الجواز والمنع". 

والله أعلم.