السؤال
كثيرا ما أستخير الله، سواء بالدعاء فقط، أو بعد صلاة ركعتين، في أمور غير واضحة، بشكل دقيق، بهذه الصيغة مثلا: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك.... إلى آخر دعاء الاستخارة، وعندما أصل إلى: إن كنت تعلم أن هذا الأمر ـ أقول: يارب أي قول، أو فعل سيصدر مني في هذا اليوم، أو في المكان الفلاني، أو عند لقاء الشخص الفلاني، إن كان فيه الخير لي فيسره، وأي قول، أو فعل كان سيصدر مني فيه الشر لي، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير أينما كان، ورضيني به ـ وأقوم بذلك، وأترك الأمر لله أن يدبر أمري، ويختار لي ما سأقول، وما سأفعل، خاصة أنني عندما تحدث معي مواقف لا أحبها، كأن أتصرف فيها بشكل غير صحيح، أو أقول كلاما في غير محله، أو أعجز عن رد الإهانة، فأتعرض للإحراج، وللاستهزاء... فأدعو مسبقا قبل حدوث الموقف حتى أتقبل أي شيء يحدث بعدها، سواء كان سيئا، أو جيدا، لأنني دائما ما ألوم نفسي على عدم التصرف بشكل سليم، ولا أعرف إن كان هذا قد قدر علي أم لا، فهل ما أفعله جائز؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستخارة لا تشرع على هذا الوجه الذي ذكرته في سؤالك، وإنما تكون الاستخارة إذا هممت بالأمر المعين من نكاح، أو تجارة، أو سفر، فتستخيرين في فعله، أو تركه أيهما أفضل، وأما الاستخارة في أمور مجهولة، أو مبهمة، غير معينة، فليس مما دل عليه الحديث.
قال القاري في شرح حديث الاستخارة: وعن جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة ـ أي: طلب تيسر الخير في الأمرين من الفعل، أو الترك من الخير، وهو ضد الشر، في الأمور، أي: التي نريد الإقدام عليها مباحة كانت، أو عبادة، لكن بالنسبة إلى إيقاع العبادة في وقتها، وكيفيتها، لا بالنسبة إلى أصل فعلها: كما يعلمنا السورة من القرآن ـ وهذا يدل على شدة الاعتناء بهذا الدعاء: يقول: بدل، أو حال: إذا هم، أي: قصد: أحدكم بالأمر، أي: من نكاح، أو سفر، أو غيرها، مما يريد فعله، أو تركه، قال ابن أبي جمرة: الوارد على القلب على مراتب: الهمة، ثم اللمة، ثم الخطرة، ثم النية، ثم الإرادة، ثم العزيمة، فالثلاثة الأول لا يؤاخذ بها، بخلاف الثلاث الأخيرة، فقوله: إذا هم ـ يشير إلى أنه أول ما يرد على القلب، فيستخير، فيظهر له ببركة الصلاة، والدعاء ما هو الخير، بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده، وقويت عزيمته فيه، فإنه يصير إليه ميل وحب، فيخشى أن يخفى عليه وجه الأرشدية، لغلبة ميله إليه، قال: ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة، لأن الخواطر لا تثبت، فلا يستخير إلا على ما يقصد التصميم على فعله، وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به، فتضيع عليه أوقاته، ووقع في حديث ابن مسعود بلفظ: إذا أراد أحدكم أمرا ـ رواه الطبراني، وصححه الحاكم. انتهى محل الغرض من كلامه.
وبه تعلمين أن استخارتك على هذا الوجه لا تشرع، وإنما ثم طرق أخرى لتحصيل مقصودك من التوفيق للخير، وتوقي الشر في يومك، كالحفاظ على الأذكار التي بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحصل بها ذلك، كقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ـ ثلاثا في الصباح، والمساء، فإن من قالها لم يضره شيء، كما رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح ـ عن عثمان رضي الله عنه، وقراءة: قل هو الله أحد، والمعوذتين ثلاثا، فإنها تكفيك من كل شيء ـ كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن خبيب، رواه أبو داود.
وكالإتيان بذكر الخروج من البيت، فإنه سبب للهداية، والوقاية، والكفاية -بإذن الله- فروى الترمذي، وقال: حسن غريب ـ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت، ووقيت، وتنحى عنه الشيطان.
وكالإكثار من الدعاء بأن يرزقك الله الخير، ويجنبك الشر، ويوفقك لما فيه مراشد أمرك، ونحو ذلك، وتكميل التوكل على الله سبحانه، وإحسان الظن به تبارك وتعالى، فالتوكل عليه سبحانه جالب لكل خير، دافع لكل شر -بإذن الله- كما قال جل اسمه: ومن يتوكل على الله فهو حسبه {الطلاق: 3}.
وقال تعالى: أليس الله بكاف عبده {الزمر: 36}.
والله أعلم.