السؤال
لا أشعر بأي مشاعر تجاه أمي، فهي دائما تفرق بين معاملتي، ومعاملة إخواني، وتفرق بين أبنائي، وأبنائهم، وتعمل ألف حساب لغضبهم،
ولكن أنا إذا تعبت، لا تسأل عني، وأشعر أنها لا تخاف علي، ولا ترغب بمساعدتي. ولا تزورني في بيتي كما تزورهم، وأنا مصابة بمرض مناعي أثر على أعصابي،
وهي لا تساعدني أبدا، وأنا لا أطلب منها المساعدة، والآن أنا تطلقت من زوجي، ولم تقف أمي معي حتى معنويا،
وتتفق مع إخواني علي؛ ولأجل ذلك قطعت الكلام معهم جميعا.
والسؤال هنا، هل أعاقب من الله على عدم مكالمتي لأمي، أو عدم زيارتها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وأن يصلح الحال بينك وبين أمك، وأن يعوضك أفضل مما فقدت. ونوصيك بالصبر، وكثرة الدعاء، فالله عز وجل هو مجيب دعوة المضطر، وهو القائل: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون {النمل: 62}.
ولا يخفى عليك عظم مكانة الوالدين، وأنه سبحانه أوصى بهما معا، وأوصى بالأم خاصة؛ لكون برها أعظم، فقال تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير {لقمان: 14}، وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، قال: وكان ذلك؛ لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم، وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية. وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين ) فسوى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة. قال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة. انتهى.
فلا تجوز قطيعتهما، أو هجرهما بحال، فإن ذلك من العقوق، بل من حقهما البر، والإحسان إليهما، وإن ظلما، وقصرا، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 299887.
ومن المعلوم أن الغالب في الأم شفقتها على أولادها، وأحفادها، وخاصة الإناث منهم، فما ذكرت من تعامل أمك معك، ومع أولادك أمر غريب، ينبغي أن تلتمسي أسبابه، وتسألي نفسك إن كنت قد فعلت ما يوجب غضب أمك عليك، أو تصرفت تصرفا سليما أساءت فهمه، فإن تبين شيء من هذه الأسباب، أو غيرها، فاعملي على علاجها بما يناسب.
وعلى تقدير أنه ليس هنالك سبب، فاعملي على مداراة أمك، والتودد إليها، ومناصحتها برفق، فإن انتفعت بذلك، فالحمد لله.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: فصل في أمر الوالدين بالمعروف، ونهيهما عن المنكر، قال أحمد في رواية يوسف بن موسى، يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يكلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، ليس الأب كالأجنبي. انتهى.
وإذا أمكنك أن تستعيني ببعض المقربين إليها ممن ترجين أن تقبل قولهم، فافعلي.
وكذلك الحال بالنسبة لإخوانك، ابذلي النصح لهم برفق، ولين، وذكريهم بما بينك وبينهم من الرحم التي أوجب الله صلتها، وحرم قطيعتها، واستعيني عليهم بمن لهم وجاهة عندهم؛ ليصلحوا ما بينك وبين أمك، ولا يفسدوا، فإن انتهوا، وتابوا، فالحمد لله، وإلا، فهجرهم جائز، ولكن ينبغي مراعاة المصلحة في ذلك، وانظري الفتوى: 294091.
ولمعرفة حكم نفقة المطلقة التي لا مال لها يمكن مطالعة الفتوى: 113061.
والله أعلم.