السؤال
أنا عزباء عمري 28 سنة. خلقت بتشوه في الوجه، وقمت بعدة عمليات تجميل لم تكلل بالنجاح، ولكن -ولله الحمد- التشوه ظاهر بشكل بسيط، وعند التحدث يظهر فقط. أحببت شابا فيما مضى لمدة عامين بيني وبين نفسي، وشاءت الأقدار أن أرسل لي بعد 3 أعوام على مواقع التواصل بسبب زلة قمت بها حيث وضعت (لايك) على أحد منشوراته دون عمد، ثم سحبته. بعد ذلك استدرجني هذا الشاب، وكان يقوم بالعادة السرية معي فقط عن طريق الشات كتابة، فقد ضعفت أمامه؛ لأنني أحببته من قلبي. كنت أراه يوميا، لكنني كنت أرفض إرسال صور، أو مكالمات. فقط أقتصر على دردشة كتابية، ثم اكتشفت لاحقا أنه يفعل هذا كنوع من التسلية، ومع فتيات أخريات، كانت تجربتي الأولى بالتحدث مع شاب، فأنا فتاة من بيئة ملتزمة نرتدي اللباس الشرعي، ونحافظ على صلواتنا، وأنهيت دراستي بالجامعة، وأنا محافظة على نفسي، ولم أتحدث مع أحد من الشباب، لكن ذلك الشاب كان قلبي قد تعلق به قبل فتح باب التواصل، وبعد ذلك تزوج، وكنت ألاحقه لأنني تعلقت به أكثر، وكنت صادقة جدا بشعوري تجاهه. طلبت من الله المعونة، والثبات عدة مرات، لكن كنت أعود أرسل له فقط؛ للاطمئنان عليه، وحتى الآن لا أستطيع التوقف عن هذا الذنب، أجد نفسي أشعر بالقلق. الآن بعد زواجه انتقل، ولا أعرف عنه شيئا.
سؤالي، كيف أعرف أن الله غفر لي ذلك الذنب، ولم يكتبني مع الزانيات؟ مرت ليال كثيرة تبت، واستغفرت، وبكيت بحرقة؛ خوفا أن أجد نفسي يوم الحساب مع تلك الفئة، وأقسم لكم أن الأمر لم يتجاوز الكتابة، ووجدت نفسي ضعيفة أمامه؛ لحبي الشديد له. تبت إلى الله حقا، لكن أحيانا أرسل؛ للاطمئنان عليه،
والآن تبت عن ذلك، وسألت الله الثبات. أشعر بفراغ شديد. كل صديقاتي تزوجن، وانشغلن، وأيضا أخواتي تزوجن.
والدي متوفى، وعلاقتي بأمي سيئة؛ لأنها تميل لأخي، وتهتم به كثيرا. لم أوفق بعمل بشهادتي، وصحتي تنتكس من فترة لأخرى، ولم يطلبني أحد للزواج.
قد يكون بسبب التشوه، لكنه نصيبي، وأنا راضية به.
هل ما أمر به من هم، وضيق، وتعسير بسبب ذلك الذنب؟ وكيف أعلم أن الله غفر لي؟
وماذا أفعل؛ لتتغير حياتي للأفضل، وأشعر بمعية الله معي مثل السابق؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعل من المناسب أن ننبه في البدء على أن ما حدث لك مع هذا الشاب خير دليل على خطورة التساهل في التعامل بين الرجل والمرأة الأجنبيين، وأنه مدخل للشيطان، وباب للغواية، وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر{النور: 21}. وما قمت به مع هذا الشاب ليس من الزنا الحقيقي الموجب للحد، ولكنه منكر لا يجوز، ووسيلة للزنا الحقيقي.
ومن نعمة الله عليك، أن وفقك لاستدراك الأمر، وندمك على ما فعلت، والتوبة إلى الله عز وجل، ومن تاب، تاب الله عليه، وغفر له ذنوبه، كما وعد بذلك في محكم كتابه، حيث قال: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى {طه: 82}، وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب، ثم تاب، تاب الله عليه. فأحسني الظن بربك، واجتهدي في تناسي ما مضى، وإحسان العمل في المستقبل. والأوبة إلى الله بعد التوبة، والتوفيق للطاعات من أعظم ما يدل على قبول التوبة، ومغفرة الذنب، وراجعي للمزيد الفتويين 5646، 121330.
ولا يلزم أن يكون ما تشعرين به من هم، وضيق بسبب هذا الذنب، بل قد يكون هذا مجرد ابتلاء، فإذا صبرت على ذلك كان سببا لتكفير السيئات، ورفعة الدرجات، فعليك بالصبر، وانظري للمزيد من فضائله الفتوى 18103. وعليك بالإكثار من ذكر الله، فإن في الذكر طمأنينة للقلب، وسكينة للنفس، وكذلك الإكثار من الدعاء، وانظري الفتويين 70670، و 221788، ففيهما من الأذكار، والأدعية ما يناسب حالك.
والزواج من الرزق، سيأتيك ما كتب الله لك منه، فعليك باتخاذ الأسباب، كالدعاء، وسؤال الله -تبارك وتعالى- أن يرزقك الزوج الصالح، وكذلك الاستعانة ببعض أقربائك، وأخواتك الصالحات؛ ليكونوا عونا لك في هذا السبيل، والمرأة يجوز لها شرعا البحث عن الرجل الصالح؛ للزواج منها، بل وعرض نفسها عليه، مع مراعاة الضوابط الشرعية في التعامل مع الأجنبي، وسبق بيان ذلك في الفتوى 18430. وما ذكرت من التشويه لا يمنع من الزواج، خاصة وأنه قد أصبح تشويها بسيطا -كما ذكرت- وقد تعلمين أن هنالك من النساء من تكون في إعاقة، أو تكون أكثر تشويها منك، ومع ذلك يسر الله لها الزواج، فاستعيني بالله -تعالى-، وأملي خيرا.
وما ذكرت من كون علاقتك سيئة مع أمك، فعليك بالاجتهاد في سبيل إصلاحها، بالبحث عن الأسباب، والعمل على معالجتها، وكذلك بالحرص على برها، والإحسان إليها، فإن هذا قد يعين في الإصلاح، ويمكنك الاستعانة ببعض المقربين إليها؛ ليبذلوا لها النصح، ويصلحوا الحال بينك وبينها. وكوني على حذر من أن يصدر منك ما يؤدي للعقوق، بالإساءة إليها، بأي قول، أو فعل، صغيرا كان أم كبيرا، وراجعي الفتوى 299953.
والله أعلم.