السؤال
سئلت من قبل شاب نصراني أمريكي، يسأل من أجل المعرفة لا من أجل التحدي، يقول:
كيف تقولون إن الأنبياء معصومون من الخطأ والذنوب، والقرآن يقول لمحمد في سورة محمد: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم؟
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله من الذنوب؟ ثم كيف تقولون إنه معصوم من الخطأ ثم تقولون في الحديث "قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فما هذه الذنوب التي غفرها الله له، والتي تقدمت؟
وسأل أيضا عن قول إبراهيم عليه السلام في سورة الشعراء: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" ما هي خطيئة إبراهيم؟
وسأل أيضا عن قتل موسى عليه السلام للمصري: قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم.
وختم أسئلته بأن قرأ علي قوله تعالى من سورة يوسف: يوسف أعرض عن هـذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين. وقال لي: مهما كان جوابك عن الأنبياء، أريد أن أعرف ما الفرق بين ذنب هذه المرأة وذنوب الأنبياء، خصوصا أن الكلمة نفسها مستعملة في هذه الآية، وقول سيدنا إبراهيم والأمر لسيدنا محمد بالاستغفار؟ وختم أيضا بقوله: ما تعريفكم للذنب أصلا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم وجعلنا وإياك سببا في هداية خلقه: أن الأمة مجمعة على عصمة الأنبياء فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، وعلى عصمتهم من الكبائر، وأما الصغائر، فأكثر العلماء على أنها تقع منهم، ولكنهم لا يقرون عليها، بل يستغفرون منها في الحال ويتوبون، وراجع في هذا الفتوى: 6901، وفي هذا جواب لما ظنه الشاب النصراني تناقضا بين الآيات والأحاديث، وبين ما ثبت من عصمة الأنبياء.
وفيه أيضا جواب عن الذنوب التي غفرت له صلى الله عليه وسلم، وعن قتل موسى عليه السلام للمصري.
وأما خطيئة إبراهيم عليه السلام، فقد أوردها صاحب فتح الباري عند شرحه لحديث الشفاعة. قال: وفي رواية همام: إني كنت كذبت ثلاث كذبات. زاد شيبان في روايته قوله: إني سقيم، وقوله: فعله كبيرهم هذا، وقوله لامرأته: أخبريه أني أخوك. وفي الحقيقة أنها ليس خطيئات، لأنه صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منها كذبة إلا ماحل بها عن دين الله. انظر فتح الباري.
وأما الفرق بين ذنب امرأة العزيز وذنوب الأنبياء، فإنه من وجوه: أحدها أنها راودت فتاها على الزنا وهو كبيرة، والقائل بحصول الذنب من الأنبياء إنما يقول بحصول الصغائر فقط دون الكبائر.
والثاني: أنها أصرت على ذنبها ولم تتب منه حتى بعد علم نساء المدينة بذلك، واستدعائها إياهن، فقد ظلت مصرة على المعصية، وقالت: [ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين] (يوسف: 32). والأنبياء لا يقرون على المعصية بل يتوبون منها في الحال.
والثالث: أنها أرادت بمراودتها يوسف عليه السلام أن تشبع شهوة جنسية لا غير، والأنبياء إذا صدر منهم خطأ إنما يكون اجتهادا أو مماحلة عن دين الله، كما هو جلي في خطيئات إبراهيم عليه السلام. وانظر تعريف الذنب في الفتوى: 13700.
والله أعلم.