السؤال
كنت أقرأ كتابا؛ فرأيت فيه أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- هو أول من خطب في صلاة العيد قبل الصلاة. والنبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانوا يخطبون بعد صلاة العيد. أفليست هذه بدعة؟ وما الدافع لفعل ذلك؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في أول من خطب العيد قبل الصلاة: فالذي في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أنه مروان بن الحكم عامل معاوية على المدينة.
وروي أن عثمان -رضي الله عنه- فعل ذلك، لكن تلك الرواية فيها أن عثمان فعله لمصلحة الناس حين تأخروا عن الصلاة، لا لمصلحة نفسه لإسماع الناس الخطبة كما فعله مروان. أو يكون عثمان -رضي الله عنه- فعله أحيانا باجتهاد منه لهذا المعنى المذكور، ومروان هو من واظب عليه؛ لئلا ينفض الناس عن خطبته.
وقد بين هذا الحافظ ابن حجر فقال كما في الفتح: واختلف في أول من غير ذلك، فرواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان، كما تقدم في الباب قبله. وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال: " أول من خطب قبل الصلاة عثمان، صلى بالناس ثم خطبهم -يعني على العادة- فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة، ففعل ذلك" أي صار يخطب قبل الصلاة. وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان. لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة. وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل: إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته؛ لما فيها من سب من لا يستحق السب، والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه.
ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا، بخلاف مروان فواظب عليه، فلذلك نسب إليه. وقد روي عن عمر مثل فعل عثمان، قال عياض ومن تبعه: لا يصح عنه، وفيما قالوه نظر؛ لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهذا إسناد صحيح، لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده، وكذا حديث ابن عمر، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا، وإلا فما في الصحيحين أصح. وقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس، وزاد:"حتى قدم معاوية فقدم الخطبة" فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية؛ لأنه كان أمير المدينة من جهته، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري قال: " أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية".
وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة. قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان، لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله. انتهى كلام الحافظ.
فلو صح عن عثمان -رضي الله عنه- هذا، فقد فعله باجتهاد منه لمصلحة الناس كما رأيت.
والله أعلم.