الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أصبت بالدهشة والذهول وأنا أقرأ هذا السؤال الغريب ولكن على كل حال أقول:
أما قولك: لماذا علي أن أعبد الله؟
فالجواب: لأنه هو المستحق للعبادة وحده ولأنه هو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وميزك بالعقل وحسن الخلقة، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، فكم من نعم وهبك إياها لا تستطيع عدها وحصرها، ولا القيام بشكرها، كما قال الله تعالى: وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار [إبراهيم:34]، وقال تعالى: وفي أنفسكم أفلا تبصرون [الذاريات:21].
واعلم أن عبادتك لله إنما هي لمصلحة نفسك، فالله غني عن عبادة الناس ولكن أمرهم بذلك لمصلحتهم، وتدبر معي هذا الحديث القدسي الذي رواه مسلم: عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال:.... يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه...
وأخرج الحاكم وغيره عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبرائيل أخبره أن عابدا عبد الله على رأس جبل في البحر خمسمائة سنة ثم سأل ربه أن يقبضه وهو ساجد، قال: فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا ونجد في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول الله عز وجل: أدخلو عبدي الجنة برحمتي، فيقول: يا رب بعملي ثلاث مرات، ثم يقول الله للملائكة: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله، فيجدون نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعم الجسد له، فيقول: أدخلوا عبدي النار فيجر إلى النار فينادي ربه برحمتك أدخلني الجنة، برحمتك أدخلني الجنة، فيدخله الجنة، قال جبرائيل: إنما الأشياء برحمة الله يا محمد.
فاتق الله جل وعلا، ولا يستهوينك الشيطان فتخسر دنياك وآخرتك، وأقبل على الله بقلب خالص، والزم الصالحين لتتدارك نفسك قبل فوات الأوان، وأما الفرق بين عبادة الله وعبادة غيره فظاهر، وهو أن غير الله مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا، فهو خلق من خلق الله ولذلك قال الله تعالى: أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون* ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون [الأعراف:191-192].
وأما قولك لا يجيب دعاء ولا يكشف....، فالجواب: أن هذا غير صحيح فمن الذي يكشف السوء، ويجيب المضطر، ويغيث الملهوف، إلا الله جل وعلا، كما قال تعالى: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون [النمل:62]، وهذه حقيقة لم ينكرها المشركون الأولون، فقد كانوا يسلمون بها ويعملون بمقتضاها عند الكرب، كما قال الله عنهم: فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [العنكبوت:65].
فقد كانوا في الشدائد يلجأون إلى الله ليكشف كربتهم، ففي سنن الترمذي عن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: يا حصين كم تعبد اليوم إلها؟ قال أبي: سبعة، ستة في الأرض وواحدا في السماء، قال: فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك، قال: فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني، فقال: قل اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي.
فانظر إلى هذا الرجل كيف كان وهو على شركه يتوجه إلى الله وحده عند الرغبة في الحصول على شيء يهمه أو دفع شيء يخاف منه، واعلم أن الله عز وجل يجيب دعوة من دعاه؛ ولكن إذا توافرت شروط إجابة الدعاء وانتفت موانع الإجابة، ومن شروط إجابة الدعاء:
الأول: دعاء الله وحده لا شريك له بأسمائه الحسنى وصفاته العلى بصدق وإخلاص، لأن الدعاء عبادة، قال الله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين [غافر:60]، وفي الحديث القدسي: من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه. رواه مسلم.
الثاني: ألا يدعو المرء بإثم أو قطيعة رحم، لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
الثالث: أن يدعو بقلب حاضر، موقن بالإجابة، لما رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. وعند تخلف هذه الشروط أو أحدها لا يستجيب الله الدعاء، فتوافرها شرط وانتفاؤها مانع.
وهناك أسباب لإجابة الدعاء ينبغي للداعي مراعاتها وهي:
الأول: افتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختمه بذلك.
الثاني: رفع اليدين.
الثالث: عدم التردد، بل ينبغي للداعي أن يعزم على الله ويلح عليه.
الرابع: تحري أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند الإفطار من الصيام، وغير ذلك.
الخامس: أكل الطيبات واجتناب المحرمات، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.
وبهذا يتبين أن الله إذا لم يستجب لدعائك فإنما هو لخلل فيك، أو لمصلحة يعلم الله أنه خير لك، فقد يكون إذا استجاب لك وحقق لك ما طلبته كان سببا في إعراضك أو بعدك عنه، وهذا هو مقتضى الربوبية أنه يختار لعبده الصالح الطيب ما به صلاحه في حياته الأبدية، وواجب الإنسان أن يعبد الله وينفذ أمره، والله تعالى ييسره لليسرى ويغير حاله ولو بعد حين، ولا بد من التفريق بين إجابة الدعاء وإعطاء العبد ما طلب، فالإجابة أعم كما تدل عليه النصوص، فربما أجيبت الدعوة فدفع بها عن العبد من السوء بمثل ما طلب، وربما ادخرت له إلى يوم القيامة، وربما عجل له ما سأل، والأمر في ذلك كله واختياره سبحانه لعبده خير من اختيار العبد لنفسه لو عقل، وبهذا القدر نكتفي وننصحك أخيرا بالتوبة إلى الله والاستغفار عن بعض الكلمات الصادرة عنك التي قد تكون غير مقصودة، وهي خطيرة لأنها تتعلق بالذات الإلهية كقولك: إذا كان الله لا يجيب دعاء ولا يكشف كربا ولا أستطيع الاعتماد عليه في شيء، فلماذا أقول إنه ربي؟ وقولك: والله سيقف متفرجا؟ أسأل الله جل وعلا أن يشرح صدرك وينور قلبك ويهديك إلى ما فيه صلاحك في دنياك وآخرتك.
والله أعلم.