السؤال
امرأة أوروبية مسلمة، توفي أخوها غير الشقيق، وهو غير مسلم، والآن يتم توزيع الإرث في المحكمة. هذا الشخص المتوفى ليس له أبناء، وأبوه، وإخوانه متوفون. له أختان شقيقتان، وثلاث أخوات غير شقيقات على قيد الحياة (من ضمنهن هذه المرأة المسلمة). هل يجوز لهذه المرأة المسلمة أن ترثه في هذه الحالة؟
مع العلم أن المحكمة أقرت بتوزيع الإرث على الأخوات الخمس بشكل متساو. وأيضا هذه المرأة المسلمة تعيش على مساعدات الدولة، وفي حال رفضت حصتها من الإرث من الممكن أن هذا الشيء يؤثر بشكل سلبي على مساعدة المعيشة.
وجزاكم الله خير الجزاء، وبارك لكم في علمكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الأخت المسلمة المشار إليها أختا للميت من أبيه، فإنها لا ترث في الشريعة الإسلامية؛ لأن الأخت من الأب تسقط لاستغراق الشقيقات الثلثين.
وأما إن كانت أختا للميت من أمه، وليست من أبيه، فإن الأخت من الأم ترث مع وجود الشقيقتين، فأكثر، وحينئذ يجري في حكم توريثها من أخيها الكافر كلام الفقهاء في حكم توريث المسلم من الكافر، ومذهب جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة، وأتباعهم هو منع توريث المسلم من الكافر، وهو ظاهر الحديث المتفق عليه، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.
وذهبت طائفة أخرى من أهل العلم إلى أن المسلم يرث من مورثه الكافر غير الحربي، ورجح هذا القول ابن القيم، وعقد فصلا في كتابه أحكام أهل الذمة في هذه المسألة، وقال: وهذا قول معاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن الحنفية، ومحمد بن علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع، وعبد الله بن مغفل، ويحيى بن يعمر، وإسحاق بن راهويه. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. قالوا: نرثهم، ولا يرثوننا، كما ننكح نساءهم، ولا ينكحون نساءنا. انتهى.
وذكر أدلة توريث المسلم من الكافر، ومنها أنه: ثبت بالسنة المتواترة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجري الزنادقة المنافقين في الأحكام الظاهرة مجرى المسلمين، فيرثون، ويورثون. وقد مات عبد الله بن أبي، وغيره ممن شهد القرآن بنفاقهم، ونهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة عليه، والاستغفار له، وورثهم ورثتهم المؤمنون، كما ورث عبد الله بن أبي ابنه، ولم يأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من تركة أحد من المنافقين شيئا، ولا جعل شيئا من ذلك فيئا، بل أعطاه لورثتهم، وهذا أمر معلوم بيقين، فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة، لا على إيمان القلوب .... وقد حمل طائفة من العلماء قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يقتل مسلم بكافر، على الحربي دون الذمي، ولا ريب أن حمل قوله: لا يرث المسلم الكافر على الحربي أولى، وأقرب محملا، فإن في توريث المسلمين منهم ترغيبا في الإسلام لمن أراد الدخول فيه من أهل الذمة، فإن كثيرا منهم يمنعهم من الدخول في الإسلام خوف أن يموت أقاربهم، ولهم أموال، فلا يرثون منهم شيئا. وقد سمعنا ذلك منهم من غير واحد منهم شفاها، فإذا علم أن إسلامه لا يسقط ميراثه ضعف المانع من الإسلام، وصارت رغبته فيه قوية، وهذا وحده كاف في التخصيص، وهم يخصون العموم بما هو دون ذلك بكثير، فإن هذه مصلحة ظاهرة يشهد لها الشرع بالاعتبار في كثير من تصرفاته، وقد تكون مصلحتها أعظم من مصلحة نكاح نسائهم، وليس في هذا ما يخالف الأصول. اهــ.
وبناء على هذا القول، فيمكن لهذه الأخت أن تأخذ ما يصلها من ميراث أخيها الذي مات كافرا، وهو السدس، إن كانت أخته من الأم كما ذكرنا.
والله أعلم.