ثبوت إعجاز القرآن- تهافت الادعاء بأن الله غير عادل

0 684

السؤال

لي صديق يدعي أن القرآن غير معجز، وأن الله غير عادل، وهو الآن على درجة الإلحاد فأفيدوني لكي ننقذ هذا الشاب قبل أن يقع في براثن الشيطان؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن إعجاز القرآن أثبت وأوضح من الشمس، ومما يدل لذلك أن الله تحدى العرب بالإتيان بقرآن مثله فعجزوا، ثم تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم بسورة من مثله فعجزوا، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنهم لن يأتوا بمثله ولو تعاونوا جميعا. ولم يسمع في التاريخ من ذلك العصر إلى اليوم أن أحدا كتب مقالا يحاكي القرآن، وصدق الله تعالى إذ يقول: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [الإسراء:88]، قال ابن كثير في البداية والنهاية في معرض حديثه عن دلائل النبوة المعنوية: وهو معنوية وحسية، فمن المعنوية إنزال القرآن عليه وهو أعظم المعجزات، وأبهر الآيات، وأبين الحجج الواضحات لما اشتمل عليه من التركيب المعجز الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك مع توافر دواعي أعدائه على معارضته وفصاحتهم وبلاغتهم، ثم تحداهم بعشر سور منه فعجزوا، ثم تنازل إلى التحدي بسورة من مثله فعجزوا عنه وهم يعلمون عجزهم وتقصيرهم عن ذلك، وأن هذا ما لا سبيل لأحد إليه أبدا، قال الله تعالى: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [الإسراء:88]، وهذه الآية مكية. وقال في سورة الطور وهي مكية: أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون* فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين، أي إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فإنكم مثله، وقال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية معيدا للتحدي: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين* فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين [البقرة:23-24]، وقال الله تعالى: أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين* فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون [هود:13-14]، وقال الله تعالى: وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين* أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين* بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين [يونس:37-38-39]، فبين تعالى أن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن بل عن عشر سور مثله بل عن سورة منه، وأنهم لا يستطيعون ذلك أبدا، كما قال الله تعالى:  فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا أي فإن لم تفعلوا في الماضي ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحد ثان وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لا في الحال ولا في المآل، ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الإتيان بمثله، ولو كان من منقول من عند نفسه لخاف أن يعارض فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة الناس له. ومعلوم لكل ذي لب أن محمدا من أعقل خلق الله بل أعقلهم وأكملهم على الاطلاق في نفس الأمر، فما كان ليقدم هذا الأمر إلا وهو عالم بأنه لا يمكن معارضته وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله، وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق. انتهى.

وأما ادعاء أن الله غير عادل، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فإنه مردود شرعا وعقلا، وصاحبه متبع لإبليس لعنه الله، قال شيخ الإسلام: ومن طعن في عدل الله وحكمته كان شبيها بإبليس، فإن الله ذكر عنه أنه طعن في حكمته وعارضه برأيه وهواه، وأنه قال: قال رب بمآ أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين [الحجر:39].

فالله سبحانه وتعالى هو العدل الحكم لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وقد أخبر عن نفسه فقال: ولا يظلم ربك أحدا [الكهف:49]، وقال تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة  [النساء:40]، وفي الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا..... أخرجه مسلم.

وقد أوجب سبحانه على الحكام العدل بين الناس في الحكم، فقال: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا [النساء:58]، وقد أنزل الوحي المشتمل على هذه الشريعة التي هي عدل ورحمة كلها، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها.

وأما الوسائل المساعدة في إنقاذ هذا الشاب، فمن أهمها الدعاء له بالهداية ومحاورته وتعليمه إن كان جاهلا، وجداله بالتي هي أحسن إن كان متأثرا بالأفكار الإلحادية، ووعظه وترقيق قلبه وتذكيره بآيات الله، قال الله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [النحل:125]، وعليك بإعارته ما تيسر من الأشرطة النافعة والكتب المفيدة والسعي في ربطة بصحبة صالحة لعلها تجره إلى الخير، فإن الرجل على دين خليله، كما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

والمدارسة معه في مسألة الإعجاز والعدل انطلاقا مما ذكرناه سابقا ومما تراه في كتب التفسير عند الآيات التي ذكرناها، وننصحك إن لم تكن واثقا من نفسك بالقدرة على جداله أن تستخدم في جداله من يقدر على ذلك لأن إيراد الشبه على القلب يمرضه، فلهذا يتعين عليك أن تحتاط لنفسك حتى لا يؤثر عليك.

والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة