الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي وجوب الجماعة في الصلاة على الرجال خلاف بين أهل العلم.
والمفتى به عندنا وجوب الجماعة من غير تخصيص بالمسجد، وإن كان للجماعة في المسجد فضل كبير وأجر عظيم، وفوائد كثيرة؛ فلا ينبغي للمسلم التهاون فيها. وراجع الفتوى: 128394
وعليه؛ فإذا كانت أمك تمنعك من صلاة الجماعة مطلقا من غير عذر؛ فلا طاعة لها في ذلك.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وكذلك كل الفرائض، لا طاعة لهما في تركها. يعني إذا وجب عليه الجهاد. لم يعتبر إذن والديه؛ لأنه صار فرض عين، وتركه معصية، ولا طاعة لأحد في معصية الله.
وكذلك كل ما وجب مثل الحج، والصلاة في الجماعة، والجمع، والسفر، للعلم الواجب. انتهى.
وجاء في فتح الباري لابن رجب: سئل الحسن عن الرجل تأمره أمه أن يفطر تطوعا؟ قال: يفطر، ولا قضاء عليه. قلت: تنهاه أن يصلي العشاء في جماعة؟ قال: ليس لها ذلك؛ هذه فريضة.
وروى بإسناده عن عطاء في الرجل تحبسه أمه في الليلة المطيرة المظلمة عن الصلاة في جماعة، قال: أطعها.
وهذا لا يخالف فيه الحسن؛ فإن الحسن أفتى بعدم طاعة الأم في ترك الجماعة في غير حال العذر. وعطاء أفتى بطاعتها في ترك الجماعة في حال العذر المبيح لترك الجماعة، وعطاء موافق للحسن في القول بوجوب الجماعة. انتهى.
وأما إذا منعتك من الصلاة في المسجد على أن تصلي جماعة في البيت في بعض الصلوات؛ فلا إشكال في طاعتك لها في ذلك.
قال ابن مفلح -رحمه الله- في الفروع: ويلزمه طاعتهما في غير معصية، ويحرم فيها، ولو أمره أبوه بتأخير الصلاة ليصلي به أخر. انتهى.
وقال البهوتي -رحمه الله- في شرح منتهى الإرادات: ولو أمره به أي التأخير والده ليصلي به الصلاة التي طلب تأخيرها مع سعة الوقت؛ أخر ليصلي به. وظاهره وجوبا لطاعة والده. انتهى.
أما منعتك على الدوام فليس من حقها، حتى على القول بسنية الجماعة وعدم وجوبها.
جاء في الفروق للقرافي: قال الشيخ أبو الوليد الطرطوشي في كتاب بر الوالدين: لا طاعة لهما في ترك سنة راتبة كحضور الجماعات، وترك ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك إذا سألاه ترك ذلك على الدوام، بخلاف ما لو دعياه لأول وقت الصلاة وجبت طاعتهما وإن فاتته فضيلة أول الوقت. انتهى.
فاجتهد في إقناع أمك بفضيلة محافظتك على صلاة الجماعة في المسجد ووجوب محافظتك على الجماعة؛ فإن أصرت على منعك ولم تقدر على مخالفتها، أو خشيت الأذى منها أو من غيرها من أهلك؛ فأنت معذور -إن شاء الله-
وعلى أية حال؛ فعليك ببر أمك والإحسان إليها، فحق الأم عظيم، ولا يسقط حقها بإساءتها أو ظلمها. واحرص على نصيحتها بأدب ورفق، ومن استعمل الرفق وتحلى بالصبر والحلم كان حريا بقبول النصيحة، وإدراك المطلوب بإذن الله.
والله أعلم.