الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عامة العلماء على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، لجملة من الأحاديث الدالة على ذلك؛ ولأن صلاتها في البيت أبعد عن التعرض للفتنة عند خروجها من البيت، فعن عبد الله بن سويد الأنصاري، عن عمته -أم حميد: امرأة أبي حميد الساعدي: أنها جاءت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله؛ إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله -عز وجل-. أخرجه أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.
وعن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن.
وعن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها. رواهما أبو داود، وصححهما الحاكم على شرط الشيخين.
وفي تفسير القرطبي عند قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار {النور:36 - 37}.
لما قال تعالى: رجال- وخصهم بالذكر دل على أن النساء لا حظ لهن في المساجد، إذ لا جمعة عليهن، ولا جماعة، وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل، بينما انفرد ابن حزم بعدم التفريق بين الرجال والنساء في تفضيل الصلاة في المساجد على الصلاة في البيوت، فضعف الأحاديث المتقدمة، وقال: الآثار في حضور النساء صلاة الجماعة مع رسول الله متواترة في غاية الصحة، لا ينكر ذلك إلا جاهل... فما كان –عليه السلام– ليدعهن يتكلفن الخروج في الليل، والغلس يحملن صغارهن، ويفرد لهن بابا، ويأمر بخروج الأبكار، وغير الأبكار، ومن لا جلباب لها فتستعير جلبابا إلى المصلى، فيتركهن يتكلفن من ذلك ما يحط أجورهن، ويكون الفضل لهن في تركه؟!.. ولو كانت صلاتهن في بيوتهن أفضل... لما افترض عليه السلام أن لا يمنعهن، ولما أمرهن بالخروج تفلات، وأقل هذا أن يكون أمر ندب، وحض... ثم لو صح فيه أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها –وهذا لا يوجد أبدا من طريق فيها خير- لما كانت فيه حجة، لأنه كان يكون منسوخا بلا شك، بما ذكرنا من تركه -عليه السلام- لهن يتكلفن التكلف في الغبش، راغبات في الصلاة في الجماعة معه، إلى أن مات عليه السلام، فهذا آخر الأمر بلا شك. اهـ.
وبعد هذا: فبناء على تفضيل صلاة المرأة في بيتها على الصلاة في المسجد: فإنه لا يشملها الفضل الخاص بالصلاة في المسجد، مثل فضل المشي إلى المساجد، والجمعة، ومضاعفة الصلاة في المسجدين -الحرام والنبوي- لأنه لا يندب للمرأة الخروج إلى المساجد.
قال ابن دقيق العيد في شرح الحديث المتفق عليه: صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا...: أما وصف الرجولية: فحيث يندب للمرأة الخروج إلى المسجد، ينبغي أن تتساوى مع الرجل، لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعا. اهـ.
وقال الصنعاني في حاشية الإحكام: قوله: لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعا- أما في صلاة الجمعة، والجماعة في المسجد والأذان: فمعتبر، فالنساء مأمورات بالسكون في البيوت، وأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وإن جاز لها الخروج للصلاة فيه فالأفضل عدمه، وحينئذ: فلا يحصل لها المضاعفة المذكورة. اهـ.
وجاء في فتح الباري لابن رجب: وفي حديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري: صلاة الرجل في الجماعة تضعيف- وهو يدل على أن صلاة المرأة لا تضعف في الجماعة؛ فإن صلاتها في بيتها خير لها، وأفضل، وروى بقية، عن أبي عبد السلام، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا: صلاة المرأة وحدها تفضل على صلاتها في الجمع خمسا وعشرين درجة- خرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان، وهو غريب جدا، وروايات بقية عن مشايخه المجهولين لا يعبأ بها. اهـ.
وهذا النقل يتضمن جواب سؤالك الأخير: وهل تنال المرأة أجر الجماعة في البيت؟ وهو أنه لا دليل على حصول أجر الجماعة للمرأة بصلاتها منفردة في بيتها، وأن الحديث الوراد في ذلك ضعيف لا يثبت -وسيأتي الكلام عن صلاة النساء جماعة في البيوت.
وقد ترجم ابن خزيمة في صحيحه: باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن كانت صلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- تعدل ألف صلاة في غيرها من المساجد، والدليل على أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد- أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء. اهـ.
وفي مطالب أولي النهى للرحيباني: الصلاة في المسجد الحرام: بمائة ألف صلاة فيما سواه من البقاع، صحت الأحاديث بذلك، والصلاة بمسجده، أي: مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-: بألف صلاة فيما سواه من البقاع التي دونه... وفي الفروع: والأظهر أن مرادهم أي: الأصحاب، من إطلاق فضيلة الصلاة في هذه المساجد غير صلاة النساء في البيوت، إذ صلاة المرأة في بيتها أفضل، لحديث: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن. اهـ.
وأما مضاعفة صلاة الجماعة في مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمسة وعشرين ضعفا، وذلك أنه: إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة، إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى، لم تزل الملائكة تصلي عليه، ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة.
فقد اختلف العلماء فيه، فذهب بعض العلماء -كابن رجب، وابن حجر- إلى أن المضاعفة هي لصلاة الجماعة في المسجد على الصلاة في البيت، والسوق، ولو في جماعة، بدلالة سياق الحديث، وذكره لسبب المضاعفة، وهو المشي إلى المسجد، وانتظار الصلاة، فعلى هذا القول: فإن النساء إذا صلين جماعة في البيوت لا تحصل لهن هذه المضاعفة.
بينما رجح بعض العلماء كالنووي في شرح مسلم، وابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام أن المضاعفة تحصل بالجماعة عموما، سواء كانت في المسجد، أم في البيت، أم في السوق، وأن المفاضلة في الحديث هي لصلاة الجماعة على الصلاة في البيت، والسوق منفردا.
وعلى القول الثاني: فقد نص بعض على العلماء -كابن القيم في أعلام الموقعين على أن النساء إذا صلين جماعة في البيوت تشملهن المضاعفة الورادة في الحديث، وهذا ما رجحناه في الفتوى: 134634.
وأما قولك: وإن كان لا يحصل لها، فلماذا كانت تذهب النساء للصلاة في المسجد قديما، وكانت نساء الأندلس يسارعن دوما بالذهاب للجمعة- فالجواب عن هذا: أن القول بأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من خروجها إلى المسجد، لا يلزم منه أنها لن تحصل على أي أجر عند تجشمها عناء الخروج إلى المسجد، وإنما الكلام كله عن الفضل الخاص الوارد في النصوص.
وقولك: فإن قلنا لسماع الخطبة، فلماذا لم تسأل الواحدة منهن زوجها عما سمع ليخبرها به فحسب؟ فسماع الخطبة من الخطيب أبلغ أثرا من سماع موجز الخطبة من بعض المصلين.
والله أعلم.