السؤال
أعلم أن الأصل أن تتداوى المرأة عند المرأة المسلمة.ولكن إذا كان عندي تأمين صحي، فهل يجوز التداوي بهذا التأمين عند طبيب رجل للاستفادة من كلفة العلاج المخفضة بسبب التأمين؟ مع العلم أني أملك مالا أستطيع به التداوي عند طبيبة مسلمة في القطاع الخاص بدون تأمين، وأستطيع تحمل كلفة العلاج خارج التأمين.وهل يختلف الحكم، إذا كانت تكلفة العلاج كبيرة، مثل تكاليف عملية من حيث الحل والحرمة، أم لا؟ وأنا أيضا أستطيع تحمل كلفة العملية خارج التأمين.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف شيئا من عورتها عند الطبيب، إذا تيسر لها امرأة طبيبة تكفيها حاجة التداوي، وراجعي في ذلك الفتوى: 111763 وما أحيل عليه فيها.
ويبقى النظر في حال توفر طبيب مجانا (دون أجرة)، مع إمكانية الذهاب لامرأة طبيبة، ولكن بمقابل (أجرة)، فهذا موضع اجتهاد ونظر، فمن أهل العلم من يرخص في مثل هذه الحال، بل وفي حال تفاوت الأجرة بين الطبيب، والطبيبة، فجعلوا الأكثر أجرة كالعدم.
قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج، وتبعه الرملي في نهاية المحتاج: ويشترط فقد امرأة تحسن ذلك... ووجود من لا يرضى إلا بأكثر من أجرة المثل، كالعدم فيما يظهر، بل لو وجد كافر يرضى بدونها، ومسلم لا يرضى إلا بها، احتمل أن المسلم كالعدم أيضا؛ أخذا مما يأتي أن الأم لو طلبت أجرة المثل، ووجد الأب من يرضى بدونها سقطت حضانة الأم. ويحتمل الفرق. اهـ.
قال الشبراملسي في حاشيته على نهاية المحتاج: (قوله: من أجرة مثله) أي وإن قلت الزيادة. (قوله: احتمل أن المسلم كالعدم) معتمد. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اشترط الشافعية عدم وجود امرأة تحسن التطبيب إذا كان المريض امرأة ... ونصوا على أنه إن وجد من لا يرضى إلا بأكثر من أجرة المثل فإنه يكون كالعدم حينئذ، حتى لو وجد كافر يرضى بدونها، ومسلم لا يرضى إلا بها احتمل أن المسلم كالعدم. اهـ.
ولم نجد مثل هذا عند غير الشافعية! والذي يظهر لنا هو المنع؛ تمسكا بالأصل، ما دامت أجرة الطبيبة متيسرة، لا تضر دافعها. ويتأكد هذا إذا كان ما ستكشفه المرأة من بدنها أفحش في العورة من غيره. قال النووي في روضة الطالبين: يشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا (يعني المعالجة) أن لا يكون هناك امرأة تعالج ... ثم أصل الحاجة كاف في النظر إلى الوجه، واليدين، وفي النظر إلى سائر الأعضاء يعتبر تأكد الحاجة ... قال الغزالي: وذلك بأن تكون الحاجة بحيث لا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة، ويعذر في العادة ... وفي النظر إلى السوءتين، يعتبر مزيد تأكد. اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في (قواعد الأحكام): ستر العورات والسوآت واجب، وهو من أفضل المروآت وأجمل العادات، ولا سيما في النساء الأجنبيات، لكنه يجوز للضرورات، والحاجات.
أما الحاجات فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه ... ونظر الأطباء لحاجة المداواة ...
وأما الضرورات، فكقطع السلع المهلكات ومداواة الجراحات المتلفات. ويشترط في النظر إلى السوآت لقبحها من شدة الحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سائر العورات، وكذلك يشترط في النظر إلى سوأة النساء من الضرورة والحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سوأة الرجال؛ لما في النظر إلى سوآتهن من خوف الافتتان، وكذلك ليس النظر إلى ما قارب الركبتين من الفخذين كالنظر إلى الإليتين. اهـ.
وقال أبو بكر الحداد الحنفي في الجوهرة النيرة على مختصر القدوري: إن كان المرض في موضع الفرج فينبغي أن يعلم امرأة تداويها، فإن لم توجد امرأة تداويها وخافوا عليها أن تهلك أو يصيبها بلاء أو وجع لا يحتمل ستروا منها كل شيء، إلا الموضع الذي فيه العلة، ثم يداويها الرجل ويغض بصره ما استطاع، إلا من موضع الجرح. اهـ.
ونقله ابن عابدين في رد المحتار، ثم قال: الظاهر أن "ينبغي" هنا للوجوب. اهـ.
والله أعلم.