الاعتقاد الصحيح السليم في أسماء الله وصفاته

0 7519

السؤال

(فقد تناول فيه آيات الصفات وأحاديثها ، وأنها تمر كما جاءت , دالة على معانيها اللائقة بجلال الله , من غير تأويل ولا تكييف , وهذا هو الوارد عن السلف في آيات الصفات أنهم قالوا : أمروها كما جاءت , دالة على معانيها . فتفويض السلف هنا , هو تفويض كيف لا معنى . أعني : أن السلف يثبتون لله الأسماء والصفات دالة على المعنى العربي المخاطب به العربي الصحيح العاقل لمعاني الكلام مع التصريح بوجود الكيف ، مع جهلنا به كما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها ، والإمام مالك رحمه الله ، لما سئلا عن صفة الاستواء فقالا :
الاستواء معلوم , والكيف مجهول , والإيمان به واجب , والسؤال عنه بدعة .) وهناك من الأشاعرة من يقول ليس لله يد أو عين .. لأنه تعالى لم يقل: لي يد أو لي عين , كما قال سميع بصير, فنحن نثبت السمع والبصر ولا نثبت اليد أو العين..
(أرجوا منكم شرح هذا الكلام بشيء من الإسهاب..) وشكرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم يا أخي المسلم أن موضوع آيات الصفات وأحاديثها قد ضل فيه كثير من أهل القبلة، وهدى الله فيها أهل السنة والجماعة من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، حيث إنهم اعتقدوا أن لله سبحانه وتعالى أسماء حسنى وصفات عليا، كما قال تعالى: [ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها] (الأعراف: 180) فهم يؤمنون بها وبأن لها معاني حقيقية لائقة بجلال الله سبحانه، وأن صفات الله لها كيفية لا نعلمها، وهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل هو سبحانه كما أخبر عن نفسه: [ليس كمثله شيء وهو السميع البصير] (الشورى: 11). فاشتملت هذه الآية على إثبات الصفات لله عز وجل، ونفي المماثلة والمشابهة للخلق في صفاته.

قوله (إنها تمر كما جاءت ...) يعني أمروها بلا كيف ولا نتعرض لكيفيتها لأنه لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل، قال الطحاوي: نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف.

هذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.

وقوله: (دالة على معانيها اللائقة بجلال الله من غير تأويل ولا تكييف) يعني أن صفات الله عز وجل تدل على معاني تليق بجلال الله وعظمته، فمثلا يقول الله تعالى: [الرحمن على العرش استوى] (طه: 5). فصفة الاستواء لها معنى ثابت وهو العلو والفوقية والاستقرار على الشيء، تقول: استوى الرجل على سطح البيت، أي علا واستقر فوقه، والله عز وجل عال على عرشه، بائن عن خلقه.

 وإثبات صفات الله عز جل على الوجه اللائق به يستلزم نفي أربعة أشياء، كما جاء ذلك في كتاب "العقيدة الواسطية" حيث قال: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصف به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

وهذه الأربعة هي كالتالي:

الأول: التأويل بمعنى التحريف، كما عبر به شيخ الإسلام، وهو أولى لوجوه:

الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن. قال تعالى: [يحرفون الكلم عن مواضعه] (النساء: 46) والتعبير الذي عبر به القرآن أولى من غيره، لأنه أدل على المعنى.

الوجه الثاني: أن التأويل ليس مذموما كله، قال تعالى: [وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم] (آل عمران: 7).

فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل. فالتأويل قد يكون ممدوحا، وقد يكون مذموما، بخلاف التحريف فكله مذموم، ولأنه أشد تنفيرا عن هذه الطريقة المخالفة لطريق السلف.

الثاني: التكييف: وهو أن تذكر كيفية الصفة، ولهذا نقول: كيف يكيف تكييفا، أي ذكر كيفية الصفة، والتكييف يسأل عنه بـ (كيف) فإذا قلت مثلا: كيف جاء زيد؟ تقول: راكبا إذا كيفت مجيئه.

وأهل السنة والجماعة لا يكيفون صفات الله مستندين في ذلك إلى الدليل السمعي، والدليل العقلي.

أما الدليل السمعي، فمثل قوله تعالى: [قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون] (الأعراف: 33) والشاهد في قوله: [وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون]  فإذا جاء رجل وقال: إن الله استوى على العرش على هذه الكيفية ووصف كيفية معينة، نقول: هذا قال على الله ما لا يعلم، هل أخبرك الله بأنه استوى على هذه الكيفية؟ لا، أخبرنا بأنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى، فنقول هذا تكييف، وقول على الله بغير علم.

وأما الدليل العقلي: فكيفية الشيء لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة لم تتحقق عندنا، فصفات الله عز وجل لم نشاهدها، ولم نشاهد لها نظيرا، ولم يأتنا خبر صادق عنها، لا من ربنا ولا من نبينا صلى الله عليه وسلم.

ومعنى قولنا: (بدون تكييف): ليست معناه ألا نعتقد لها كيفية، بل نعتقد لها كيفية؛ لكن المنفي علمنا بالكفية، لأن استواء الله على عرشه لا شك أن له كيفية لكن لا تعلم، نزوله إلى السماء الدنيا له كيفية لكن لا تعلم، لأنه ما من موجود إلا وله كيفية لكنها قد تكون معلومة وقد تكون مجهولة.

الثالث: التعطيل: ومعناه التخلية والترك، كقوله تعالى: [وبئر معطلة] (الحج: 45).  أي مخلاة متروكة، والمراد بالتعطيل المنفي عن صفات الله عز وجل هو إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلا، فأهل السنة والجماعة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله أو أي صفة من صفاته، ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقرارا كاملا.

الرابع: التمثيل، ومعناه ذكر مماثل للشيء، وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة، يقولون: إن الله عز وجل له علم ليس كعلمنا، وله بصر ليس كبصرنا، وهكذا سائر الصفات، يقولون إن الله عز وجل لا يماثل خلقه فيما وصف به نفسه أبدا، ولهم أدلة سمعية وعقلية منها : [ليس كمثله شيء] وقوله تعالى: [هل تعلم له سميا] (مريم: 65) وقوله تعالى: [ولم يكن له كفوا أحد] (الإخلاص: 4).

وقد نهى الله عن أن يجعل له نظراء مماثلين، حيث قال عز وجل: [فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون] (البقرة: 22) والتفويض عند السلف هو تفويض كيفيتها، يقولون لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه وتعالى، ولا يفوضون معناها، بل يثبتون المعنى؛ كما ورد عن الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فقوله رحمه الله: الاستواء معلوم، أي من حيث المعنى معلوم أن كلمة (استوى) إذا تعدت بـ (على) كان معناها العلو والاستواء، والكيف مجهول لدينا وغير معقول، وذلك بأن عقولنا لا تدرك كيفية استواء الله عز وجل فيجب علينا الكف عنها، والإيمان بها، وكلام الإمام مالك رحمه الله ميزان لجميع الصفات، فإن سئلت عن أي صفة من صفات الله عز وجل فقل فيها مثل ما قال الإمام مالك في صفة الاستواء على العرش.

ومذهب الأشاعرة في الصفات أنهم يثبتون سبع صفات فقط، وأهل السنة والجماعة يثبتون كما أسلفنا الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تمثيل ولا تكييف، ويفوضون كيفيتها إلى الله عز وجل.

وأخيرا ننصح السائل بأن يرجع إلى كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمة الله عليهما، وكتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة