السؤال
توفي أبي وترك لنا حانة لبيع الخمور. كان أبي في حياته قد أجرها لشخص، وكان يتلقى منها دخلا شهريا يعيش منه. الآن، هذا الدخل الشهري تحول إلى أمي، حيث تعيش منه هي واثنان من إخوتي.
أما أنا، فأعمل في عمل حلال، ولا أقبل أن آخذ شيئا من هذا الدخل، ولكني متزوج وأعيش معهم في نفس البيت، في شقة بنيتها بمالي الخاص.
المشكلة أن أمي تدعوني كثيرا لتناول الطعام معهم، مع أنني أحرص على الأكل في شقتي ولا أشاركهم الطعام. ولكن دعواتها المتكررة تجعلني أشعر بالحرج.
أصبحت أخشى زيارة أمي في شقتها، حتى لا أشاركهم طعامهم الذي أعرف أن مصدره حرام. وفي رمضان، يصبح التجمع مع العائلة أمرا ضروريا. ماذا أفعل؟ هل أستمر في تناول الطعام في شقتي وأتجنب مشاركتهم؟ أم كيف أتعامل مع هذا الموقف؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فرق بعض أهل العلم بين المال المحرم لطريقة كسبه، كالربا وثمن الخمر ونحو ذلك، فلم يحرموه إلا على مكتسبه، وبين المال المحرم لعينه كالمسروق، فحرموه مطلقا. وعلى هذا القول: لا يحرم على السائل الأكل من طعام والدته. ولكن الراجح الذي عليه جمهور أهل العلم -وهو المفتى به عندنا- أنه لا يجوز الأكل من طعام من ماله كله حرام، بخلاف من اختلط ماله الحرام بشيء من المال الحلال، فلا يحرم. وراجع في ذلك الفتاوى: 6880، 321535، 452683.
وإذا حرم الأكل من طعام الوالدة، فترفق في الامتناع عنه حتى لا تغضبها، وابذل لها النصح بأدب ولين، لعلها أن تتوب عن هذا الكسب، وإلا عذرتك في امتناعك عنه.
وإن اضطررت للأكل من طعامها تجنبا للقطيعة ونحو ذلك، فقدر قيمة ما تأكله وتصدق به، كما قال المواق في التاج والإكليل لمختصر خليل: وعرف عياض بعبد الجبار المشهور بالورع: دفع إليه جندي فرسه فركبه، فنظر إليه أصحابه فقال: ما لكم إما ورع نقص، وإما علم زاد.
قال بعضهم: ولعله تصدق بقدر انتفاعه به. وعرف عياض بابن مجاهد الألبيري لما زار الجبيري بالزهراء وأكل معه ولم يكن له مال إلا من السلطان، فقيل له في ذلك؟ فقال: لو أمسكت عن طعامه لكان جفاء عليه، وقد قومت ما أكلت وأجمعت على الصدقة به، وثواب ذلك لصاحبه، ورأيت هذا أفضل من الشهرة والإمساك عن طعامه والجفاء عليه. اهـ.
والله أعلم.