السؤال
جمعية خيرية لديها قبور شرعية، وثمن الانتفاع للقبر الواحد أربعة آلاف جنيه -مع دفع مصاريف رمزية سنوية، قدرها خمسون جنيها-، لكنها تشترط ألا يدفن فيه إلا الشخص الذي دفع المبلغ، وإن دفن في مكان آخر لأي سبب؛ فإن ورثته ليس لهم حق الانتفاع بذلك القبر؛ فما حكم ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الشروط الجواز والصحة، على الراجح، ولا يحرم ولا يبطل منها إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله؛ لقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود {المائدة:1}، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني. وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم، في أموالهم وفيما أعطوا. رواه مالك في الموطأ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى): إذا كان حسن الوفاء ورعاية العهد مأمورا به، علم أن الأصل صحة العقود والشروط؛ إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده، ومقصوده هو الوفاء به، وإذا كان الشرع قد أمر بمقصود العهود، دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة ... اهـ.
وقال في موضع آخر: تصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود. اهـ.
وعلى ذلك؛ فإن كانت هذه الجمعية تشترط ألا يدفن في القبر إلا من دفع المبلغ، وأنه إن دفن في مكان آخر فلا حق لورثته فيه، ورضي الدافع بذلك، صح الشرط ولزم؛ لأنا لا نعلم دليلا شرعيا يبطل مثل هذا الشرط أو يحرمه.
وهذا بناء على أن هذه المعاملة ليست بيعا، ولا إجارة؛ فليس فيها تمليك للرقبة، ولا للمنفعة، وإنما هي إباحة للمنفعة، أو تمليك لحق الانتفاع، وحق الانتفاع إنما هو حق شخصي، لا يوهب، ولا يورث.
قال القرافي في الفروق: الفرق الثلاثون بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة، فتمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل، فيباشر بنفسه، ويمكن غيره من الانتفاع. اهـ.
وجاء في حاشية العدوي: مالك الانتفاع ينتفع بنفسه فقط، ولا يؤجر، ولا يوهب، ولا يعير. ومالك المنفعة له تلك الثلاثة، مع انتفاعه بنفسه. اهـ.
والله أعلم.