الرؤية الشرعية في دخول الإناث في جمع المذكر السالم في القرآن الكريم

0 4

السؤال

سؤالي ليس عن حور العين تحديدا، بل عن حال المتقين الذين ذكروا في سورتي الطور والنبأ: "إن للمتقين مفازا (31) حدائق وأعنابا (32) وكواعب أترابا (33)" "إن المتقين في جنات ونعيم (17) فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم (18) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون (19) متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين (20)".
كمثال من اللغة العربية، إذا قلنا: "إن للمتفوقين هدية وزوجات جميلات"، فهذا يعني أن المتفوقين المقصودين هنا هم فقط الذكور، لأن "زوجات جميلات" معطوفة على ما قبلها.
أما إذا كان الخطاب لكلا الجنسين، فيجب أن نقول: "إن للمتفوقين والمتفوقات هدية وأزواجا جميلين وجميلات."
بناء على ذلك، هل يعني ذكر الحور العين والكواعب الأتراب أن الخطاب في الآيات خاص بالذكور فقط، كون هذه الأوصاف معطوفة على ما قبلها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في الصيغة الدالة على جمع المذكر السالم نحو المؤمنين والمتقين، هل تتناول الإناث ما لم تأت قرينة تمنع ذلك أم لا؟ وإلى هذا الخلاف أشار الجلال المحلي في شرحه لجمع الجوامع فقال: (و) الأصح (أن جمع المذكر السالم) كالمسلمين (لا يدخل فيه النساء ظاهرا)، وإنما يدخلن بقرينة تغليبا للذكور، وقيل: يدخلن فيه ظاهرا، لأنه لما كثر في الشرع مشاركتهن للذكور في الأحكام، لا يقصد الشارع بخطاب الذكور قصر الأحكام عليهم. اهـ.

وقال العلامة سيدي عبد الله الشنقيطي في نشر البنود على مراقي السعود: اختلفوا في جمع المذكر السالم ونحوه، هل يدخل فيه النساء ظاهرا؟ قال في التنقيح: والصحيح عندنا اندراج النساء في خطاب التذكير، قاله القاضي عبد الوهاب اهـ. وكذا الحنابلة، وصححه بعض الشافعية، لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام، إلا ما دل دليل على تخصيصه، ولأن النحاة قالوا: إن عادة العرب إذا قصدت الجمع بين المذكر والمؤنث، ذكروا الجمع بصيغة المذكر، ولا يفردون المؤنث بالذكر... 

والأصح عند السبكي: أن جمع المذكر السالم ونحوه، لا يدخل فيه النساء ظاهرا، وإنما يدخلن فيه بقرينة تغليب الذكور، وبعدم دخولهن فيه.
قال القاضي والباجي من المالكية: وأكثر الأصوليين، واختاره ابن الحاجب، لقوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} الآية...
اهـ.

وقد تكلم على هذا الشيخ الأمين الشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: فذكر أنه اختلف هل ما في القرآن العظيم والسنة من الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة الذكور، تدخل فيه الإناث أو لا يدخلن فيه إلا بدليل منفصل؟ فذهب قوم إلى أنهن يدخلن في ذلك.... واحتج أهل هذا القول بأمرين:
الأول: إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع.

والثاني: ورود آيات تدل على دخولهن في الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها، كقوله تعالى في مريم نفسها: (وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)، وقوله في امرأة العزيز: (يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين)، وقوله في بلقيس: (وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين)، وقوله فيما كالجمع المذكر السالم: (قلنا اهبطوا منها جميعا) الآية؛ فإنه تدخل فيه حواء إجماعا.
وذهب كثير إلى أنهن لا يدخلن في ذلك إلا بدليل منفصل. واستدلوا على ذلك بآيات كقوله: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) إلى قوله: (أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)، وقوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم)، ثم قال: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) الآية، فعطفهن عليهم يدل على عدم دخولهن.
وأجابوا عن حجة أهل القول الأول: بأن تغليب الذكور على الإناث في الجمع ليس محل نزاع، وإنما النزاع في الذي يتبادر من الجمع المذكر ونحوه عند الإطلاق.
وعن الآيات: بأن دخول الإناث فيها إنما علم من قرينة السياق ودلالة اللفظ، ودخولهن في حالة الاقتران بما يدل على ذلك لا نزاع فيه.

وعلى هذا القول؛ فمريم غير داخلة في الآية، وإلى هذا الخلاف أشار في مراقي السعود بقوله: وما شمول من للأنثى جنف ... وفي شبيه المسلمين اختلفوا. اهـ.

وبناء عليه؛ فما ذكر في الوحيين من جزاء للمتقين والمؤمنين يشمل الجنسين غالبا، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا {النساء: 124}.

وقد تدل القرينة على اختصاص الرجال بشيء ما، كما في تعدد الزوجات، والجزاء بالحور العين بالنسبة للرجال، كما دلت القرينة على عدم دخولهن في الجهاد والجمعة وحل الاستمتاع بملك اليمين في نحو قوله تعالى: وجاهدوا في الله حق جهاده [الحج: 78] وقوله: فاسعوا إلى ذكر الله [الجمعة: 9] وقوله: والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم {المعارج:29 - 30}.

ولكن جميع المؤمنات يستمتعن في الجنة بما يشتهين من الزواج وغيره، لعموم قوله -تعالى-: ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم {فصلت:31 - 32}، وقوله تعالى: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون {الزخرف: 71}.

ولما روى مسلم في صحيحه مرفوعا: وما في الجنة عزبولكن المرأة في الجنة لا تطمح لغير زوجها، ولا تريد سواه، كما قال الله تعالى: وعندهم قاصرات الطرف عين {الصافات: 48}. قال الطبريقال ابن زيد في قول الله: قاصرات الطرف، قال: لا ينظرن إلا إلى أزواجهن، قد قصرن أطرافهن على أزواجهن. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات