أحكام تقبيل الوالدين لأولادهما، والامتناع عنه

0 5

السؤال

أنا فتاة في 19 من العمر، ولي ثلاثة إخوة: اثنان أكبر مني، والآخر أصغر مني بعام. أمي لم تقبلنا في حياتها ولو مرة واحدة، ولا تحتضننا أبدا، حتى عند المرض الشديد. هذا الأمر يؤذي إخوتي نفسيا بشكل كبير، ودائما ما تحدث خلافات ومشاجرات كثيرة بينهم.
وأيضا، أمي لا تعترف بأي خطأ أبدا. تقول إن هذا الأمر بينها وبين الله، وإن أخطأت فلا يجب الاعتراف أو الاعتذار لأي مخلوق. فهل هذا صحيح؟
أنا أحب أمي كثيرا، والحمد لله، وأعلم أنها تحبنا كثيرا، لكنها لا تستطيع التعبير عن مشاعرها أبدا. فهل عدم احتضان وتقبيل الأم لأبنائها يجعلها آثمة؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأم مفطورة على محبة أولادها ورحمتها بهم، ومن المستبعد أن تكون الأم لم تقبل أحدا من أولادها منذ ولادته إلى كبره، وتركها تقبيل الأولاد الكبار البالغين؛ لا إثم فيه.

وأما تقبيل الوالدين لأولادهما الصغار، ومعانقتهم، ونحو ذلك من مظاهر اللطف معهم؛ فمستحب شرعا، ومطلوب تربويا، والامتناع منه أنفة أو جفاء؛ له آثار سيئة على الأولاد وصحتهم النفسية، وهو مجاف لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من الرحمة.

ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة.

وفيهما أيضا: أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من لا يرحم لا يرحم.

لكن هذا التقبيل غير واجب، ولكنه سنة، وتركه مكروه غير محرم.

قال القرطبي -رحمه الله- في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وفي هذه الأحاديث ما يدل على جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة، والشفقة، وكراهة الامتناع من ذلك على جهة الأنفة. انتهى.

وقال النووي -رحمه الله- في المجموع شرح المهذب: وأما تقبيل خد ولده الصغير، وولد قريبه وصديقه، وغيره من صغار الأطفال الذكر والأنثى على سبيل الشفقة والرحمة واللطف؛ فسنة. اهـ.

وغير صحيح أن الاعتراف بالخطأ في حق الناس، والاعتذار منهم غير واجب. قال ابن حبان -رحمه الله- في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: الاعتذار يذهب الهموم، ويجلي الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصد، والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمه، والذنوب الكثيرة، والإكثار منه يؤدي إلى الاتهام، وسوء الرأي، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي العجب عن النفس في الحال، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة. انتهى. وراجعي الفتوى: 124891.

لكن ننوه إلى أن حق الوالدين على الولد عظيم، ولا سيما الأم، فإن حقها آكد، ومهما حصل من الوالدين من الإساءة إلى الولد، فلا يسقط حقهما في البر والمصاحبة بالمعروف. وراجعي الفتوى: 428662.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة