العمل في تجارة محرمة ثم التوبة والتبرع بمقدار المال المحرّم

0 3

السؤال

أعمل في تجارة عبر الإنترنت، وحسب بحثي فهي حلال، لكنني لم أحقق أي مكسب منها، بل خسرت فيها الكثير من الأموال، وضيعت سنة ونصف من وقتي وجهدي، ثم بعد ذلك انتقلت إلى نفس التجارة، ولكن بنوع آخر، وكان لدي شك في حكمها، وبعد مدة قصيرة علمت أنها حرام، ومع ذلك استمررت فيها، لأنني خسرت الكثير من الوقت والجهد والمال.
بعد تحقيق أرباح كبيرة، أرغب في التوبة إلى الله، لكنني فقير، وكان لدي مصدر رزق واحد حلال، ولكنه شاق جدا، حيث أعمل فيه 11 ساعة يوميا، كما أن نظام العمل يتبدل أسبوعا بين النهار والليل؛ مما أثر بشكل كبير على صحتي ونفسيتي.
أصبت بمرض الأعصاب في المعدة تقريبا بسبب هذا العمل، ولا أستطيع الاستمرار فيه، فهل يجوز لي أخذ 30% أو 50% من الأموال المحرمة التي اكتسبتها؛ لبدء حياة جديدة، والعمل في تجارة حلال -مثل الاستثمار في العقارات، أو شراء شقق وتأجيرها للسياح-، وبعد أن أحقق مكاسب من هذا العمل الحلال، أتبرع بمقدار المال المحرم الذي أخذته؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك التوبة، والهداية، والعافية، من الضلال الغواية.

ونذكرك بشؤم المال الحرام، وخطره، وسوء عاقبته في الدنيا والآخرة، والنصوص في هذا الشأن كثيرة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم [المؤمنون: 51]، وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، ‌فأنى ‌يستجاب لذلك؟!

وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله ‌من ‌أين ‌اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه، أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه لا يدخل الجنة ‌لحم ‌نبت ‌من ‌سحت، النار أولى به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم.

فهذه النصوص تنبئك عن خطر الكسب الحرام، وسوء عاقبة أكله.

وقد ذكرت في سؤالك أنك عملت في تجارة محرمة، وتريد الاستمرار فيها حتى تحقق أرباحا عالية، ومن ثم تتوب، وهذا خطأ عظيم، وهو من حيل الشيطان التي يستدرج بها الإنسان، فيزين له الحرام، ويغريه به، ويجعله يسوف التوبة، وقد يدركه الأجل وهو على تلك الحال، فليس بين المرء وملك الموت موعد، وهو يأتي للصحيح كما يأتي للسقيم، ويأتي للصغير كما يأتي للكبير.

فاستغفر الله تعالى، وبادر إلى التوبة النصوح، بالكف عن ممارسة الحرام، والندم عليه، والعزيمة ألا تعود إليه، والتخلص مما زاد على رأس مالك من المال الحرام، بدفعه في أوجه الخير العامة، ومن ذلك دفعه للفقراء والمساكين.

وليس للمرء أن يأخذ من الحرام لنفسه، إلا إذا كان فقيرا محتاجا، فله أن يأخذ منه بقدر حاجته فقط، قال النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع: وإذا دفعه -المال الحرام- إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير، بل يكون حلالا طيبا، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيرا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء، فالوصف موجود فيهم؛ بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضا فقير. انتهى كلامه. ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 466000.

وقد ذكرت أن الله رزقك بوظيفة، فاستغن بها، وقليل حلال طيب، خير من كثير حرام لا بركة فيه، ويؤاخذ المرء به، قال تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون [المائدة: 100].

هذا مع التنبيه على أنك لم تبين لنا طبيعة المعاملات التي كنت تتكسب منها، ولا سبب تحريمها، ولذا؛ فإنا ننصحك أن تشافه أحد العلماء الثقات بسؤالك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة