صلى صلوات بوضوء لم يمسح فيه رأسه كاملا

0 442

السؤال

أود أن أعرف حكم مسح الرأس بالوضوء وهل يجزيء مسح جزء منه أو شعرات قليلة فقط، أم يجب مسح كامل الرأس؟ وهل يعتبر الوضوء غير صحيح بناء على عدم صحة مسح بعض الرأس؟ وهل الصلاة صحيحة؟ إن لم تكن صحيحة فما حكم ما فات من الصلوات بهذا الوضوء؟ أرجو التوضيح. وجزاكم الله خيرا، وجعله في موازين حسناتكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أجمع أهل العلم على وجوب مسح الرأس في الوضوء لكن اختلفوا في القدر الذي يجب مسحه هل هو كل الرأس أم بعضه، وتفصيل هذا الخلاف ذكره ابن قدامة في المغني بقوله: ‌لا ‌خلاف ‌في ‌وجوب ‌مسح ‌الرأس، ‌وقد ‌نص الله تعالى عليه بقوله: {وامسحوا برءوسكم}. واختلف في قدر الواجب؛ فروى عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد. وهو ظاهر قول الخرقي، ومذهب مالك. وروى عن أحمد: يجزئ مسح بعضه. قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مسح برأسه وترك بعضه؟ قال: يجزئه. ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله! وقد نقل عن سلمة بن الأكوع، أنه كان يمسح مقدم رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ. وممن قال بمسح البعض الحسن، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، إلا أن الظاهر عن أحمد، رحمه الله، في حق الرجل، وجوب الاستيعاب، وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها. قال الخلال: العمل في مذهب أحمد أبى عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها. وقال مهنا: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل. قلت له: ولم؟ قال: كانت عائشة تمسح مقدم رأسها. واحتج من أجاز مسح البعض بأن المغيرة بن شعبة، روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح بناصيته وعمامته. وأن عثمان مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا، حين حكى وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-. رواه سعيد؛ ولأن من مسح بعض رأسه يقال: مسح برأسه، كما يقال: مسح برأس اليتيم وقبل رأسه.
وزعم بعض من ينصر ذلك أن الباء للتبعيض، فكأنه قال: وامسحوا بعض رءوسكم، ولنا قول الله تعالى: {وامسحوا برءوسكم}، والباء للإلصاق، فكأنه قال: وامسحوا رءوسكم. فيتناول الجميع. كما قال في التيمم: {فامسحوا بوجوهكم}. وقولهم: الباء للتبعيض غير صحيح، ولا يعرف أهل العربية ذلك، قال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. وحديث المغيرة يدل على جواز المسح على العمامة، ونحن نقول به، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما توضأ مسح رأسه كله، وهذا يصلح أن يكون مبينا للمسح المأمور به، وما ذكروه من اللفظ مجاز لا يعدل إليه عن الحقيقة إلا بدليل.
انتهى.   

ثم قال ايضا: "فصل: وإذ قلنا بجواز مسح البعض، فمن أي موضع مسح أجزأه؛ لأن الجميع رأس، إلا أنه لا يجزئ مسح الأذنين عن الرأس، لأنهما تبع، فلا يجتزئ بهما عن الأصل، والظاهر عن أبي عبد الله أنه لا يجب مسحهما، وإن وجب الاستيعاب؛ لأن الرأس عند إطلاق لفظه إنما يتناول ما عليه الشعر.

واختلف أصحابنا في قدر البعض المجزئ، فقال القاضي: قدر الناصية؛ لحديث المغيرة. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح ناصيته. وحكى أبو الخطاب، وبعض أصحاب الشافعي، عن أحمد: أنه لا يجزئ إلا مسح أكثره؛ لأن الأكثر ينطلق عليه اسم الشيء الكامل. وقال أبو حنيفة: يجزئ مسح ربعه. وقال الشافعي: يجزئ مسح ما يقع عليه الاسم، وأقله ثلاث شعرات. وحكى عنه: لو مسح ثلاث شعرات، وحكى عنه: لو مسح شعرة، أجزأه، لوقوع الاسم عليها. ووجه ما قاله القاضي: أن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلح بيانا لما أمر به، فيحمل عليه." انتهى. 

وعليه فالمسألة محل خلاف بين أهل العلم ولا شك أن من الورع والاحتياط في الدين مسح جميع الرأس في الوضوء وإعادة جميع الصلوات التي صليت بوضوء لا يشتمل على مسح جميع الرأس خروجا من خلاف أهل العلم وامتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة. رواه الترمذي من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما، وصححه الشيخ الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة