السؤال
تزوجت منذ ثمان سنوات.. بعد سنة من زواجنا وإثر مشادة كلامية وبعد وصولي إلى حالة من العصبية تفوهت لزوجتي بكلمة أنت طالق طالق طالق، ولم تكن حالة العصبية كبيرة جدا بحيث فقدت الوعي بل أعي ما أقول، عدت إلى البيت بعد ساعة من الوقت وندمت على ما فعلت وطلبت من زوجتي مراجعتها فقبلت وقمت بالجماع على هذا المبدأ، بعد فترة من الزمن وأيضا بعد مشادة كلامية رميت يمين الطلاق، على زوجتي بقولي أنت طالق ثم أيضا وبنفس المرة السابقة قمت بمراجعتها، المرة الثالثة حدثت دون أي مشكلة ولكني كنت في حالة من الانزعاج من العمل والبيت وكل شيء أيضا رميت اليمين بقولي أنت طالق، أعتبر هذا طلاقا بائنا بينونة كبرى، لكن مفتي المدينة أفتى لنا بقوله إن الطلاق جميعا حدث في طهر جامعت امرأتي فيه وبمعنى أن زوجتي تحل لي وعدنا إلى المنزل ونسينا الأمر، قبل سنة من الآن قابلت شيخا من مدينتي وحكيت له قصتي فأفتى بأن زوجتي محرمة علي، ذهبت إلى مفتي المدينة لأجد هناك مفتيا جديدا وأن المفتي القديم قد مات رحمه الله فأفتى ببطلان زواجنا وطلب من زوجتي أن تجلس في العدة، الآن أعيش بكابوس أريد العيش مع زوجتي ولكن بالحلال وبنص شرعي مستمد من الكتاب والسنة وغير ذلك فلا، لا أستطيع الصلاة ولا الصوم والشيطان يوسوس لي حتى في منامي، أفيدوني بالنص رجاء؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أخي أنك قد تعديت ما أتاح الله لك من فرص مراجعة الزوجة حيث استنفدت الطلاقات الثلاث، وليس لك إلى زوجتك سبيل وهي الآن أجنبية عنك محرمة عليك، وننبهك إلى أن تلفظك بالطلاق الثلاث دفعة واحدة أول مرة إن نويت بالطلقة الثانية والثالثة تأكيد الأولى فهي طلقة واحدة، وإن لم تنو التأكيد فهي ثلاث.
وعليه، فتكون زوجتك قد حرمت عليك من الطلاق الأول، ويكون الطلاق في المرة الثانية والثالثة وقع على غير محل – أي على غير زوجة- وهذا على قول الجمهور، وهناك من يقول بأن طلاق الثلاث في مجلس واحد يعد طلقة واحدة.
وعموما ففي الحالين تكون زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى فلا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل، فإذا طلقها زوجها الثاني واعتدت منه، فلك أن تنكحها بعد ذلك بعقد جديد ومهر جديد إن رضيت، وإلا فأنت خاطب من الخطاب.
والطلاق في الطهر الذي تم الجماع فيه واقع باتفاق المذاهب الأربعة المتبوعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ومعهم جماهير السلف والخلف، قال الإمام البغوي في تفسيره: ولو طلق امرأته في حال حيض أو في طهر جامعها فيه قصدا يعصي الله تعالى، ولكن يقع الطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لكان لا يأمر بالمراجعة، وإذا راجعها في حال الحيض يجوز أن يطلقها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس، كما رواه يونس بن جبير وأنس عن سيرين عن ابن عمر.
وما رواه نافع عن ابن عمر: ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فاستحباب، استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى لا يكون مراجعته إياها للطلاق، كما يكره النكاح للطلاق.
ولا بدعة في الجمع بين الطلقات الثلاث عند بعض أهل العلم، حتى لو طلق امرأته في حال الطهر ثلاثا لا يكون بدعيا، وهو قول الشافعي وأحمد.
وذهب بعضهم إلى أنه بدعة، وهو قول مالك وأصحاب الرأي. انتهى كلام البغوي رحمه الله تعالى.
وقال الإمام القرطبي المفسر رحمه الله تعالى في تفسيره: من طلق في طهر لم يجامع فيه نفذ طلاقه وأصاب السنة، وإن طلقها حائضا نفذ طلاقه وأخطأ السنة. وقال سعيد بن المسيب في أخرى: لا يقع الطلاق في الحيض، لأنه خلاف السنة، وإليه ذهبت الشيعة، وفي الصحيحين واللفظ للدارقطني: عن عبد الله بن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها، فإن بدا له أن يطلقها فيطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسها، فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله، وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقه، فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله بن عمر كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. في رواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هي واحدة، وهذا نص. وهو يرد على الشيعة قولهم.
وقال الإمام ابن الجوزي في زاد المسير: والطلاق البدعي أن يقع في حال الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فهو واقع وصاحبه آثم. انتهى.
والله أعلم.