حكم المطالبة بزيادة على المال المغتصب مقابل استثمار الغاصب له

0 356

السؤال

سؤالي إلى أهل العلم، وطلب الفتوى فيه: منذ حوالي 22 سنة اشتريت من أحد تجار الذهب في الرياض 18 كيلو ذهب على أن يسلمني الذهب في البحرين وأعطاني اسم البنك الذي سوف أستلم فيه الذهب وهو عبارة عن 18 كيلو صافي خام كامل، المعروف (أربع تسعات)، ولكن البنك اعتذر اعدم امتلاكه لهذا الصنف وأنه لا يوجد لديه، ولكنه يوجد لديه صنف ثاني وهو ما يرمز له بـ (تسعتين وخمسة)، أي أقل قيمة من المتفق عليه بـ 5 جرام في كل كيلو يعني بناقص 90 جرام من الذهب الذي اشتريته منه، فرفضت أن أستلمه وقلت للبنك سوف أتصل على الذي باعني الذهب وأتفاهم معه بخصوصه، فاتصلت على التاجر في الرياض بالهاتف وأخبرته بما حصل، فانزعج مما سمع وقال لي: اذهب إليهم في الغد وسوف أتصل عليهم لكي يسلموك ما اتفقنا عليه، وهم مجبورون، ولكن اتصل علي قبل ذهابك إليهم بخمس دقائق لكي أستطيع الاتصال عليهم، فعملت بما قال واتصلت عليه وذهبت إلى البنك وساعة دخولي للبنك وجدتهم يتحدثون معه بالهاتف، فأعطاني المسؤول في البنك سماعة الهاتف وقال لي تكلم مع عميلك فسلمت عليه وبادرني قائلا: هل هذه آخر مرة سوف تتعامل معي فأجبته قائلا: لماذا هذا السؤال، فقال لي: لا أعلم عنك، وكأنها آخر مرة تتعامل معي إن كان كذلك، فإذا حضرت إلى الرياض سوف أعطيك فرق ذهبك وهو عبارة عن 90 جراما فقط لا غير، فاستلمت الذهب ناقص 90 جراما، وبعد عودتي إلى الرياض راجعته عدة مرات وفي كل مرة يتحجج بأنه مشغول عني ويقول لي (بعدين بعدين أنا لست بفاضي)، وفي المرة الأخيرة دخلت عليه مسلما فبادرني قائلا: ما الذي أحضرك وماذا تريد؟ أظنك حضرت لكي تأخذ ما بقي لك عندي من قيمة الذهب، فأجبته قائلا: نعم، فقال لي: والله والله والله ما تأخذ قرشا واحد منها وأعلى ما في خيلك اركبه وش تقدر تسوي وسوف آكلها من إلى وأشار بيده على فمه، فأجبته قائلا: الله حسيبك فأجابني قائلا: ذهب وإياك أن تقف على مرة ثانية وهذا الكلام من باب حكم القوي على الضعيف فخرجت من عنده وأمرها معلق في قلبي وذهني وبعد حوالي 22 سنة مررت من أمام مكتبه وقلت في نفسي لماذا لا تدخل عنده وتذكره إياها تخوفه من الله عز وجل لعله أن يعطيني إياها فدخلت وسلمت عليه وقلت له هل عرفتني فأجاب قائلا: نعم، وهل من المعقول أن أنساك وسألني عن سبب مجيئي إليه وأخبرته قائلا: أخشى أن تزعل علي فأجابني قائلا: ولماذا، فذكرته بها، فأجابني قائلا: لا أذكرها، ولكن إذا كان كلامك صحيح فسوف تأخذها فأجبته قائلا: ليس معي ما يثبت ذلك ولها أكثر من 20 سنة فكيف لي بإثباتها، فقال لي: ليس أنت من يطلب إثباتها ولكنه نحن وسوف يبحث لك عنها في سجلاتنا القديمة فأجبته قائلا: يا عبد الله لها أكثر من 20 سنة فأجابني قائلا: إن شاء الله يكون لها أكثر من 30 سنة إن كان لك شيء فهو موجود في سجلاتنا وسوف تأخذه، فأعطاني ورقة إلى رئيس المحاسبين فذهبت إلى كبير المحاسبين بالورقة وشرحت له أمرها فمسك رأسه قائلا: ويحك هذه الأورق منذ أكثر من 20 سنة يلزمنا للبحث عنها أشهر، وبعد قرابة ثلاثة أشهر وأنا خلالها كل أسبوعين أو كل أسبوع اتصل على المحاسب بالتليفون وأذكره إياها وفجأه أجابني قائلا: مبروك وجدناها، وذلك بعد فترة ثلاثة أشهر تقريبا فلتأت لاستلامها فذهبت إليه وفتح لي السجل التي هي مسجلة فيه وأراني إياها فإذا به منذ ما يقارب 22 سنة، ثم أراد أن يحسبها على سعرها الحالي فرفضت وطلبت من المحاسب أن يحسبها بسعر مشتراها في ذلك اليوم سواء كان كثيرا أم قليلا فأنا أبحث عن رأس مالي فأخبرني أنه يجب أن أحضر إليه بعد أسبوع لكي يتسنى له معرفة سعر الذهب وسعر الدولار في ذلك الوقت، وبعد أسبوع ذهبت إليه ووجدته قد جهز أوراقها وإعطاني ورقة لأمين الصندوق واستلمتها منه وهي ما يقارب (سبعة آلاف وستمائة وستون ريال)، ووقعت على ورقة استلام، وعندما هممت بالخروج من المكتب مررت على صاحب الشركة لكي أخبره باستلامي الفلوس من المحاسب وهي معي فعندما رأني قال لي هل استلمت فلوسك، فأجبته قائلا: نعم، هذه هي معي، فأجابني قائلا: مع السلامة، هل بقي لك شيء، فأجبته قائلا: نعم، رد علي، قائلا: ماذا بقي لك، فأجبته قائلا: مصلحتها منذ أكثر من 20 سنة وهي مع مالك تبيع بها وتشتري، أين مصلحتها خلال هذه المدة، فأجابني قائلا: ليس لك عندي شيء، سؤالي إلى أهل العلم: إذا كان هذا التاجر قد حجز على فلوسي لأكثر من 20 سنة وهي مع ماله يبيع بها ويشتري، إلا يحق لي المطالبة بمصلحتها خلال هذه المدة، مع العلم بأن هذا التاجر قبل أكثر من 20 سنة رأس ماله يقدر بالملايين والآن يقدر بالمليارات ما شاء الله، ألا يحق لي بأن أطالبه شرعا بمصلحة فلوسي خلال هذه الفترة والتي هي أكثر من 20 عاما، مع العلم بأن ليس وصيا علي ولا وكيلا علي لكي يحجز عليها طوال هذه السنين، وأين هو من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة نفر التي أطبقت عليهم الصخرة وهم في الغار عندما قال أحدهم كل واحد منكم يدعو الله بصالح أعماله قال أحدهم:( اللهم إنك تعلم أنه كان لي أجير عمل عندي وفي آخر النهار ذهب ولم يستلم أجرته، فاشتريت بأجرته شاة وبعد مضي 20 عاما حضر إلي وقال لي يا هذا اتق الله وأعطني أجرتي، فقال له هل ترى ذلك الوادي وهو مملوء بالماشية هذه كلها لك فرد عليه اتق الله ولا تسخر بي، فقال له: والله ما كذبت فاستاقها كلها ولم يترك منها شعرة، اللهم إن كنت تعلم أنني عملت ذلك ابتغاء مرضاتك فافرج عنا ما نحن فيه.. إلى آخر الحديث)، سؤالي إلى أهل العلم: ألا يحق لي المطالبة بمصلحت فلوسي خلال تلك الفترة، ألا أعتبر مساهما معه بهذا المبلغ البسيط في شركته خلال تلك الفترة ولو كان قليلا، مع العلم بأنه لم يحجزها مع ماله إلا من باب حكم القوي على الضعيف وهل يكفي شهادة كبير المحاسبين في شركته مع الأوراق الثبوتية التي عنده إذا طالبته بها شرعا، أفتونا مأجورين؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فسؤالك قد اشتمل على عدة أمور: الأمر الأول:

ما يتعلق بما تم بينك وبين هذا التاجر من شراء الذهب على أن يسلمك الذهب في بلد آخر بعد أجل، وقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة في أن هذه المعاملة لا تجوز وقد اشتملت على ربا النسيئة، لأن من شروط بيع الذهب بالنقود التقابض في مجلس العقد، وراجع على سبيل المثال الفتويين التاليتين: 3079، 41159.

والأمر الثاني: ما يتعلق بالمطالبة بزيادة على المال المغتصب مقابل استثمار الغاصب له، وهذا راجع إلى مسألة هل الربح تابع للجهد أم للمال؟ وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولين:

الأول: أن الربح يتبع رأس المال، ولا يتبع الجهد المبذول إذا كان أخذ بغير إذن مالكه، وليس لآخذه منه شيء، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد في ظاهر المذهب، وهو مذهب ابن حزم أيضا.

الثاني: أن الربح تبع للجهد المبذول، لا لرأس المال، ومن ثم يكون الربح الناشىء في استثمار المال الحرام للآخذ وليس لرب المال، وهذا قول المالكية، والشافعية، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن القطان.

والأولى في مثل هذه المسألة هو الرجوع إلى المحكمة الشرعية لأن حكم القاضي يرفع الخلاف.

الأمر الثالث: ما يتعلق بحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وفيه: أن أحدهم نمى أجر العامل حتى أصبح على ما هو عليه.... إلخ الحديث، وليس في هذا الحديث دليل لما ذكره السائل لأن الرجل فعل ذلك تبرعا وتفضلا حيث لا يجب عليه إلا الأجرة فقط، قال الحافظ في الفتح: وإنما اتجر الرجل في أجر أجيره ثم أعطاه له على سبيل التبرع ، وإنما الذي كان يلزمه قدر العمل خاصة. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة