رتبة حديث: ذلك جبريل، لو دنا مني لأخذه

0 3

السؤال

أود الاستفسار عن صحة هذا الحديث: روى يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، أنه قال: حدثني رجل من أهل مصر قديما، منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قصة طويلة جرت بين مشركي مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، قال أبو جهل بن هشام: "يا معشر قريش، إن محمدا قد أصر على عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر، فإذا سجد في صلاته، ضربت به رأسه، فليفعل بنو عبد مناف بعد ذلك ما شاؤوا."
فلما أصبح، أخذ حجرا وجلس ينتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى غدا النبي الكريم كعادته، وكانت قبلته نحو الشام، فكان إذا صلى جعل الكعبة بينه وبين الشام، فوقف يصلي بين الركنين الأسود واليماني، بينما كانت قريش جالسة في أنديتها تراقب الموقف.
فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حمل أبو جهل الحجر، وأقبل نحوه، لكنه ما إن اقترب حتى تراجع مرتعبا، شاحب الوجه، وقد يبست يداه على الحجر حتى سقط منه. فنهض إليه رجال من قريش وسألوه: "ما بك يا أبا الحكم؟" فقال: "قمت إليه لأنفذ ما وعدتكم به البارحة، فلما اقتربت، ظهر لي فجأة فحل من الإبل، ما رأيت مثل هامته، ولا طول عنقه، ولا أنيابه في أي فحل قط، وهم أن يلتهمني."
قال ابن إسحاق: "فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذلك جبريل، لو دنا مني لأخذه." فإذا كان الحديث صحيحا، فمن كان يقصد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ذلك جبريل؟ فقد أشكل علي الأمر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن القصة المذكورة، أخرجها ابن إسحاق في سيرته، وأخرجها من طريقه ابن هشام، وأبو نعيم في الدلائل، والبيهقي في الدلائل، وهي ضعيفة السند؛ لأن مدارها على ابن إسحاق، عن شيخ من أهل مكة، لا عن رجل من أهل مصر، كما جاء في نص السؤال.

وعلى كل؛ فهو لم يسمه، فهي مروية عن شخص مجهول مبهم، لم يسم، وبهذا تدخل في المنقطع، فقد قال البيهقي كما في مختصر خلافيات البيهقي لشهاب الدين الإشبيليلا يجوز الاحتجاج بأخبار المجهولين. اهـ.

وقال السخاوي في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث: قال ابن كثير: المبهم الذي لم يسم، أو سمي ولم تعرف عينه - لا يقبل روايته أحد علمناه. ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لها بالخير، فإنه يستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن. اهـ.

وأما ما جاء في الأخير من قول ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذلك جبريل، لو دنا مني لأخذه. فقد جاء في كلامه ما يفيد التضعيف بقوله: "ذكر لي" إضافة لعدم ذكر السند.

وقد قال النووي في المجموع: قال العلماء المحققون من أهل الحديث، وغيرهم: إذا كان الحديث ضعيفا، لا يقال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعل، أو أمر، أو نهى، أو حكم، وما أشبه ذلك من صيغ الجزم، وكذا لا يقال فيه: روى أبو هريرة، أو قال، أو ذكر، أو أخبر، أو حدث، أو نقل، أو أفتى، وما أشبهه.
وكذا لا يقال ذلك في التابعين، ومن بعدهم، فيما كان ضعيفا، فلا يقال في شيء من ذلك بصيغة الجزم؛ وإنما يقال في هذا كله: روي عنه، أو نقل عنه، أو حكي عنه، أو جاء عنه، أو بلغنا عنه، أو يقال، أو يذكر، أو يحكى، أو يروى، أو يرفع، أو يعزى، وما أشبه ذلك من صيغ التمريض، وليست من صيغ الجزم، قالوا: فصيغ الجزم موضوعة للصحيح، أو الحسن، وصيغ التمريض لما سواهما
. اهـ.

واعلم أن توعد أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم، وتوعد الله تعالى لأبي جهل بتسليط الملائكة عليه، ثابت بالنصوص، فقد قال الله تعالى في سورة العلق: كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب {العلق: 6 - 19}.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك، لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي -زعم- ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار، وهولا، وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا.

ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى: 284179.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات