طلاق المائلة إلى زينة الحياة الدنيا والمفرطة في دينها.. رؤية شرعية أدبية

0 2

السؤال

ورد أن سبب نزول قوله تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا..." [الآية]. هو مطالبة أزواجه -عليه الصلاة والسلام- له بزيادة النفقة. فهل يكون من فقه الآية أن الزوج عند شعوره بأن زوجته تعوقه عن زيادة التقوى، بميلها إلى الحياة الدنيا، أو ضغطها عليه بالنفقة، أو إهمالها للصلاة، أو طلبات ترفيهية كمالية تضيع وقته، يكون مستحبا له، ومندوبا أن يطلقها؟ علما بأن ذلك يكون بعد نصيحتها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد

فإن الآية ليس فيها دليل صريح على استحباب طلاق المفرطة في دينها؛ وإنما جاء فيها الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، بتخيير أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- لما سألنه النفقة، وهو معدود من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

فقد جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: ومن خصائصه -عليه الصلاة والسلام- أنه يجب عليه أن يخير نساءه، أي: في المقام معه، طلبا للآخرة، أو مفارقته، طلبا للدنيا. اهـ.

وقال الرافعي في العزيز، شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير: أوجب الله تعالى على رسوله -صلى الله عليه وسلم- تخيير نسائه بين مفارقته، واختيار زينة الحياة الدنيا، فقال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا [الأحزاب: 28].
والمعنى فيه: أنه -صلى الله عليه وسلم- آثر لنفسه الفقر، والصبر عليه، فأمر بتخييرهن؛ كيلا يكون مكرها لهن على الضر والفقر.
وحكى الحناطي وجها: أن التخيير لم يكن واجبا عليه، وإنما كان مندوبا، والمشهور: الأول
. اهـ.

وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: (و) وجب عليه أيضا (تخيير نسائه) -رضي الله عنهن- (بين فراقه) طلبا للدنيا (والإقامة معه) طلبا للآخرة، لقوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن} الآيتين. ولئلا يكون مكرها لهن على الصبر على ما آثره لنفسه من الفقر. اهـ.

وأما عن حكم طلاق المفرطة في واجبات دينها، فقد نص بعض أهل العلم على استحبابه عند عجزه على جبرها عليه، وقيل: يجب.

قال ابن قدامة في الكافي في فقه الإمام أحمد: يستحب عند تضرر المرأة بالنكاح، إما لبغضه، أو غيره، فيستحب إزالة الضر عنها.
وعند كونها مفرطة في حقوق الله الواجبة عليها -كالصلاة، ونحوه-، وعجزه عن إجبارها عليه، أو كونها غير عفيفة؛ لأن في إمساكها نقصا ودناءة، وربما أفسدت فراشه، وألحقت به ولدا من غيره.
وعنه: أن الطلاق هاهنا واجب.
قال في مسألة إسماعيل بن سعيد: هل يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من جنابة، ولا تتعلم القرآن؟ أخشى أن لا يجوز المقام معها، وقال: لا ينبغي له إمساك غير العفيفة
. انتهى بتصرف.

وجاء في الإنصاف للمرداوي الحنبلي، متحدثا عن أنواع الطلاق: والمستحب وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها -مثل الصلاة، ونحوها، وكونها غير عفيفة، ولا يمكن إجبارها على فعل حقوق الله تعالى-، فهذه يستحب طلاقها على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في المغني، والشرح، والفروع، وغيرهم.
وعنه: يجب، لكونها غير عفيفة، ولتفريطها في حقوق الله تعالى. قلت: وهو الصواب
. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات