السؤال
رجل لديه إرث كبير من والده، يشمل أموالا من استثمارات قديمة في النفط، والذهب، والعقارات خلال القرن الماضي. قضى هذا الرجل معظم حياته دون أن يعلم الكثير عن هذا المال، لأن والده توفي عندما كان صغيرا، واعتقدت البنوك، والدولة أنه قد توفي أيضا، لأنه لم يظهر للمطالبة بأمواله.
في السنوات القليلة الماضية، اكتشف أنه يملك العديد من الحسابات المصرفية باسمه، تحتوي على مبالغ كبيرة من المال، وبدأ في المطالبة بأمواله. ولكن نظرا لأنه مفلس، ولا يملك المال الكافي لتحمل تكاليف المحامين، والإجراءات القانونية، وحتى نفقاته اليومية، بدأ في اقتراض المال من الناس.
أنا أحد هؤلاء الأشخاص، حيث تربطني به علاقة جيدة. وقد وعدني شفهيا بأنني سأحصل على عمولة محترمة عندما يحصل على أمواله، ولكن ليس هناك أي إثبات كتابي من جانبه، وأنا أنفق الكثير من المال لمساعدته على حل مشكلته، ولكن ليس لدي أي ضمان قانوني بأنني سأحصل على عمولة مقابل جهودي.
فهل يجوز أن أطلب منه مبلغا محددا كعمولة، وأن أحصل على ضمانات مكتوبة تضمن لي الحصول على هذا المبلغ بمجرد حصوله على أمواله؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحظور هو أن يقرض السائل صاحبه مالا، ويشترط عليه رده بزيادة، فهذا هو الربا المحرم.
أما إن حصل اتفاق على معاملة مباحة في مقابل ربح، أو على جهد يقوم به ليساعده في مهمته، مقابل أجر معلوم، فلا حرج، وذلك بعقد الجعالة، فيجعل صاحب المال المطلوب جعلا معلوما، أو نسبة من المال المردود، لمن يسعى في الإجراءات القانونية، ويرده إليه.
قال ابن قدامة في المغني: الجعالة في رد الضالة، والآبق، وغيرهما، جائزة.
وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي. ولا نعلم فيه مخالفا.
والأصل في ذلك قول الله عز وجل: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ... ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فإن العمل قد يكون مجهولا، كرد الآبق، والضالة، ونحو ذلك، ولا تنعقد الإجارة فيه، والحاجة داعية إلى ردهما، وقد لا يجد من يتبرع به، فدعت الحاجة إلى إباحة بذل الجعل فيه، مع جهالة العمل؛ لأنها غير لازمة، بخلاف الإجارة ... ولا بد أن يكون العوض معلوما... ويحتمل أن تجوز الجعالة مع جهالة العوض، إذا كانت الجهالة لا تمنع التسليم، نحو أن يقول: من رد عبدي الآبق فله نصفه، ومن رد ضالتي، فله ثلثها، فإن أحمد قال: إذا قال الأمير في الغزو: من جاء بعشرة رؤوس فله رأس؛ جاز. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية: الإجارة التي هي جعالة، وهو أن يكون النفع غير معلوم، لكن العوض مضمونا، فيكون عقدا جائزا غير لازم، مثل أن يقول: من رد علي عبدي فله كذا، فقد يرده من بعيد أو قريب. اهـ.
وعلى ذلك؛ فالمشروع للسائل أن يعقد عقدا مع صاحبه بمعاملة مباحة، يكتب فيه حقه نظير عمله، ويوثقه، ويشهد عليه.
والله أعلم.