أحكام القيام بالأعمال الدنيوية في المساجد

0 1

السؤال

أعمل في مجال تصميم المخطوطات بالخط العربي، وأقدم خدماتي عبر الإنترنت، حيث يطلب مني العملاء تصميم مخطوطات مقابل مبلغ مالي محدد مسبقا لهذه الخدمة، وهو سعر ثابت ومعروض على المنصة. عندما يقوم العميل بطلب الخدمة، يتم تحويل المبلغ مباشرة إلى المنصة التي تعمل كوسيط مالي، ولا يصلني المبلغ إلا بعد أن أكمل العمل، وأرسل طلب استلام الخدمة، وحين يوافق العميل على استلامها، تقوم المنصة بتحويل المبلغ إلى حسابي.
لدي بعض الاستفسارات المتعلقة بأداء هذا العمل أثناء وجودي في المسجد:
1. تنفيذ العمل داخل المسجد: أحيانا أكون في المسجد، سواء للعبادة أو للجلوس فيه، ويصلني طلب من أحد العملاء. فهل يجوز لي أن أقوم بتنفيذ التصميم داخل المسجد باستخدام هاتفي أو جهازي المحمول، أم إن ذلك يعد من الأمور غير الجائزة شرعا؟
2. إرسال طلب استلام الخدمة من داخل المسجد: بعد أن أنتهي من تنفيذ التصميم، سواء داخل المسجد أو خارجه، أحتاج إلى إرسال طلب استلام الخدمة عبر المنصة، وعند موافقة العميل على استلام الخدمة، تقوم المنصة بتحويل المبلغ المستحق إلى حسابي، وليس العميل نفسه، لأن المبلغ يكون قد تم دفعه مسبقا للمنصة. فهل يجوز لي إرسال هذا الطلب أثناء وجودي في المسجد، أم إن ذلك يدخل في حكم البيع والشراء المنهي عنه في المسجد؟
3. التواصل مع العميل قبل طلب الخدمة: في بعض الأحيان، يراسلني العميل قبل أن يطلب الخدمة للاستفسار عن التفاصيل، أو لطلب تعديلات، أو إضافات خاصة، وبعد الاتفاق، أطلب منه أن يقوم بطلب الخدمة عبر المنصة، ثم يقوم بالدفع، وتبدأ العملية رسميا. فهل يجوز لي الرد على استفسارات العميل أثناء وجودي في المسجد، أم لا؟
أرجو منكم توضيح الحكم الشرعي في هذه الحالات، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في إلحاق الصنائع في المسجد بحكم البيع والشراء فيه، وقد ذكر ابن المنذر في الأوسط حديث النهي عن البيع والشراء في المسجد، ثم قال: وإذ نهي عن البيع والشراء في المسجد، ففي معناه أبواب المكاسب كلها، كان أحمد وإسحاق يكرهان للخياطين الخياطة في المسجد، وسهل أحمد في الكتابة في المسجد. قال ابن المنذر: لا فرق بين كسب الخياط، وكسب الوراق. اهـ. 

وجاء في الموسوعة الفقهية: للمساجد حرمة؛ لأنها بيوت الله، أقيمت للعبادة والذكر والتسبيح، ويجب صيانتها عن كل ما يشغل عن ذلك. لكن هل يعتبر القيام بالحرف، سواء أكانت تجارة أم صناعة في المساجد منافيا لحرمتها؟ فعند الحنفية والمالكية: يكره القيام بالصنعة فيه ... وقال الشافعية: تكره الحرفة -كخياطة، ونحوها- في المسجد، كالمعاوضة من بيع وشراء بلا حاجة، وإن قلت، صيانة له. وقال الحنابلة: لا يجوز التكسب في المسجد بالصنعة -كخياطة، وغيرها- قليلا كان ذلك أو كثيرا، لحاجة وغيرها، وفي المستوعب: "سواء كان الصانع يراعي المسجد بكنس، أو رش، ونحوه أم لم يكن؛ لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء، فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكانا للمعايش؛ لأنه لم يبن لذلك. اهـ. وانظر الفتوى: 23300.

وعلى ذلك؛ فقيام السائل بما ذكره من أعمال في المسجد، لا يخلو من كراهة؛ لأن المساجد لم تبن لهذا، ولكن إن كان ذلك عارضا وقليلا، فالأمر فيه أخف إن شاء الله.

قال الباجي في المنتقى: العمل ‌في ‌المسجد على ضربين: قربة، وغير قربة.
فأما القربة التي بنيت لها المساجد: فالصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى.
وأما ما ليس بقربة: فأفعال وأقوال، الأفعال فكالبيع والشراء، والأكل، وعمل الصنائع، وما أشبه ذلك، فأما البيع: فقد روى ابن القاسم عن مالك في المجموعة: "لا بأس أن يقضي الرجل الرجل ‌في ‌المسجد دينا، فأما ما كان ‌بمعنى التجارة والصرف فلا أحبه". فأرخص في القضاء لخفته، وقلة ما يحظر منه، فأما المصارفة، فيحظر كل واحد منه بما يعاوض به، وتكثر المراجعة، وهذان ‌المعنيان هما المؤثران في المنع، ولعله يريد بذلك كثرة اللغط، ولم يحظر فيه يسير العمل ...
وفي المبسوط عن مالك: "لا أحب لأحد أن يظهر سلعة ‌في ‌المسجد للبيع، فأما أن يساوم رجلا بثوب عليه، أو سلعة تقدمت رؤيته لها، ومعرفته بها، فيواجبه البيع فيها، فلا بأس به
. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة