الاستخارة.. تعريفها.. العمل الذي تُطلب فيه.. وما يُفعَل بعدها

0 395

السؤال

سؤالي حول الاستخارة
هل تكون الاستخارة في كل الأمور أم في الأمور التي أحتار فيها فقط، فاذا كنت أريد أمرا ما بقوة وشدة هل أصلي الاستخارة أم اكتفي بالدعاء وطلب التوفيق من الله، علما بأنني قد أتعرض لتعقيدات في هذا الأمر الذي أريده إذا صليت الاستخارة مما يؤدي إلى فشله وعدم حدوثه من الأساس أليس كذلك؟
السؤال الثاني: إذا كنت محتارة بين أمرين وصليت الاستخارة وشعرت بانشراح لأحدهما وفعلته فعلا ثم حدث أن فشل الموضوع بأكمله وسبب لي الكثير من الحزن والأسى بالرغم من صلاتي للاستخارة فماذا يعني هذا؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالاستخارة عرفها المناوي في فيض القدير بقوله: والاستخارة طلب الخيرة في الأمور منه تعالى، وحقيقتها تفويض الاختيار إليه سبحانه، فإنه الأعلم بخيرها للعبد والقادر على ما هو خير لمستخيره إذا دعاه أن يخير له، فلا يخيب أمله والخائب من لم يظفر بمطلوبه، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول: خر لي واختر لي. انتهى.

وقد اختلف أهل العلم هل تسن الاستخارة عند الإقدام على أي أمر حتى ولو ظهرت مصلحته كطاعة لله تعالى، أم تسن في الأمر الذي لم يتبين للشخص وجه الصواب فيه فقط؟ ففي دقائق أولى النهى للبهوتي: وتسن صلاة الاستخارة ولو في خير كحج وعمرة ويبادر به (أي الخير) بعدها (أي الاستخارة). انتهى.

وفي تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي: وفي الحديث استحباب الاستخارة والدعاء المأثور بعدها في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها. أما ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف فلا حاجة للاستخارة فيها. انتهى.

فهذا الاختلاف هو في نوع العمل الذي تطلب الاستخارة فيه، أما مجرد الرغبة في فعل الأمر وجنوح النفس إليه فلا يكفي عن الاستخارة، وقد اختلف فيما يفعل المستخير بعد الاستخارة، فقال ابن عبد السلام: يفعل ما اتفق، ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود وفي آخره: ثم يعزم.

وقال النووي في الأذكار: يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره، ويستدل له بحديث أنس عند ابن السني: إذا هممت فاستخر ربك سبعا ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه. وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن سنده واه جدا، والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان فيه هوى قبل الاستخارة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد: ولا حول ولا قوة إلا بالله. انتهى من فتح الباري.

والاستخارة ليست سببا في فشل الأمور أو تعسرها ولو كانت كذلك لما أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، بل وأمته؛ لحرصه على إرادة الخير لهم، بل هي بإذن الله تعالى لتسديد المسلم وإرشاده إلى ما هو الخير والصلاح في دنياه وآخرته.

ولتعلمي أيتها السائلة أن هذا الكون كله خاضع لأمر الله تعالى، فلا يكون شيء إلا بإذنه وأمره، قال تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [يــس:82]، ثم عليك بالإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى دائما، فقد قال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [غافر:60]، وقال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة. رواه الترمذي وأبو داوود وغيرهما، وصححه الشيخ الألباني.

وما دمت قد استخرت الله تعالى وفعلت ما انشرح له صدرك، فلن يترتب على ذلك إلا الخير، فالمتسخير عليه أن يفوض أمره إلى الله تعالى فيما سيختاره ويقدره له، والفشل في الأمر المطلوب بعد الاستخارة الشرعية قد تكون عاقبته محمودة بإذن الله تعالى، فمجيء الأمر على خلاف ما يتمنى الشخص والهوى لا يدل على أن ذلك الأمر لم يكن هو الخير، قال الله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة:216]، وإذا كان المستخير قد تجرد من إرادته وحظه النفسي وفوض الأمر لله تعالى فلا معنى إذا لحزنه أو غمه إذا لم يأت الأمر الذي استخار فيه على وفق ما يريده، وللمزيد عن هذا الموضوع راجعي الفتوى رقم: 32377

وعليه، فالاستخارة مطلوبة في الأمور كلها عند بعض أهل العلم، وليست سببا لتعقيد الأمور أو تعسرها، بل سبب لتيسيرها بإذن الله تعالى، وما فعله المسلم بعد الاستخارة تحمد عاقبته بإذن الله تعالى، وما يصحب ذلك من هموم وأكدار سبب لالتجاء المسلم إلى الله تعالى ودعائه إضافة إلى تكفير ذنوبه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة