السؤال
هل كانت مخلوقات تعيش على وجه الأرض قبل خلق آدم عليه السلام، وما معنى الآية "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" هل كانت الملائكة تعلم أن ذرية آدم عليه السلام ستفسد في الأرض؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن قول السائل الكريم هل كانت هناك مخلوقات تعيش على وجه الأرض....؟ فقد ذكر أهل التفسير أن الجن كانت تسكن الأرض قبل آدم فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس قبل أن يعصي الله تعالى ويمتنع من السجود لآدم، فقاتلهم حتى لجؤوا إلى جزائر البحار والجبال... ولهذا عندما قال الله تعالى للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة أجابوه بقولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء {البقرة:30} قياسا على ما فعل الجن في الأرض من الفساد...
وأما معنى الآية الكريمة ملخصا من أقوال أهل التفسير: فإنها جاءت في تعداد نعم الله تعالى على الناس، واستنكار الكفر به سبحانه وتعالى، وهو الذي أحياهم بعد ما كانوا أمواتا.... وخلق لهم ما في الأرض جميعا.. وجعلهم خلفاءه في أرضه، وأعلن ذلك لملائكته في الملأ الأعلى بقوله: إني جاعل في الأرض خليفة. فهذا كله يدل على تكريم الإنسان وتشريفه على غيره من المخلوقات. ولهذا بدأ السياق بقول المولى تبارك وتعالى: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون.
وقول الملائكة عليهم السلام: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. ليس باعتراض على المولى تبارك وتعالى، ولا طعنا في بني آدم... وإنما هو تعجب واستكشاف عن ما خفي عليهم من الحكمة... واستخبار عما يرشدهم ويزيح شبهتهم.. لأنهم "عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون"
وأما سؤالكم هل كانت الملائكة تعلم أن ذرية آدم عليه السلام ستفسد في الأرض؟ فالظاهر أنهم علموا ذلك، وقد قال أهل التفسير: يحتمل أن يكون الله تعالى أعلمهم بطبيعة بني آدم وأنهم سيفسدون في الأرض، ويحتمل أن يكونوا فهموا ذلك من قول الله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة. فالمقصود من الخليفة الإصلاح ورد الفساد والعدل بين الناس فيما يقع بينهم من مظالم... ويحتمل أن يكون قياسا منهم على فساد الجن في الأرض عندما كانوا فيها قبل بني آدم...
وقد أخذ أهل العلم من هذه الآية ومن أمثالها في القرآن الكريم وجوب نصب إمام وخليفة للمسلمين، قال القرطبي في تفسيره: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة، ولا بين الأئمة.... وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1099.
والله أعلم.