الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحجاج بن يوسف الثقفي لم يكن من خلفاء بني أمية، وإنما كان عاملا على العراق والمشرق كله من قبل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.
قال الذهبي عن الحجاج: كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء... فنسبه ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله...
والحجاب بن يوسف مع ظلمه وجوره لا يعلم عنه أنه فعل ما يكفر به، وأما الحكم عليه أنه من أهل الجنة أو من أهل النار، فليس ذلك إلينا، فأهل السنة لا يقطعون لأحد بجنة أو نار إلا من ثبت فيه دليل يخصه بذلك، كأبي جهل وأبي لهب وغيرهما، وإنما يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 38264 ففيها مزيد بيان.
وأما عبد الله بن الزبير فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه هو حواري رسول الله وابن عمته، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاث وثلاثين حديثا، ذكر ابن الزبير عند ابن عباس فقال: قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر.
قال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.
وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: وكان يسمى حمامة المسجد. وعبد الله بن الزبير هو أحد الذين استخدمهم عثمان بن عفان في نسخ المصاحف. روى ابن سعد بإسناده أن ابن الزبير مشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة فبايعه ليزيد، فلم يرض يزيد حتى يؤتى به في جامعة ووثاق.. وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه، وقال: اللهم إني عائذ بيتك، فقيل له عائذ البيت.
قال الذهبي: بويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وبعض الشام، ولم يستوثق له الأمر ومن ثم لم يعده بعض العلماء من أمراء المؤمنين وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام عند مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان وحارب ابن الزبير وقتل ابن الزبير رحمه الله، فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله، واستوثق لهم الأمر، إلى أن قال: ليته لا التجأ إلى البيت ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج لا بارك الله فيه إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه، فنعوذ بالله من الفتنة الصماء.
فعبد الله بن الزبير في عمله هذا (قبوله المبايعة بالخلافة ورفضه أن تكون الخلافة وراثة بين بني أمية) كان مجتهدا في ذلك، وتقدم في ترجمته أنه صحابي له سابقة وفضل، ومن يدرك شأوه ممن جاء بعده؟!
فإن كان مصيبا فله أجران، وإن كان مخطئا فله أجر الاجتهاد، ونحن نتعبد الله بحبه وموالاته والترضي عنه، ونمسك عن الكلام فيما ذكر في كتب التاريخ عن فتن وقعت في الأمة واشترك فيها الصحابة، فهم قد فازوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأخطاؤهم مغفورة، فلا نزج بأنفسنا في أمر عصمنا الله منه، ومن نحن حتى نحكم على بعض الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. رواه أحمد وأبو يعلى بأسانيد صحيحة.
وأما خلافة بني أمية، فقد اعتبرها العلماء وأجمع الناس على أكثرهم، وإمامة المتغلب صحيحة، وإذا أردت أن تعرف شروط صحة الإمامة وفقه الإمامة عموما فهو مبثوث في ثنايا كتب العقيدة، وقد جمع الدكتور عبد الله بن عمر الدميجي ما تيسر له في بحث "الإمامة العظمى" ونال به درجة الماجيستير من جامعة أم القرى، والبحث مطبوع في دار طيبة بالرياض، فيمكنك مراجعته، وانظر الفتوى رقم: 8696.
وأما الخوارج فهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولقد قاتلهم عند النهروان، ولم يكفرهم، وإنما كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا، وراجع الفتوى رقم: 36227 ولم يكن خروج الخوارج شرعيا، وإنما تأولوا بجهلهم.
وراجع الفتوى رقم: 25436.
والله أعلم.