الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل من المناسب قبل أن نجيب على السؤال أن نبين الحكم الشرعي للضمان الذي يقدم مع الأجهزة، نظرا لانتشار هذا الضمان وعموم الحاجة إلى معرفة حكمه، فنقول: اعلم أن هناك نوعين من الضمان:
الأول: ضمان يتم التعاقد عليه بصورة منفصلة عن شراء الجهاز، بحيث يكون له ثمن محدد، ويتعهد الضامن فيه بإصلاح الجهاز عند تعطله أو تبديله خلال مدة معينة، وهذا الضمان لا يجوز لأنه قائم على الغرر والمقامرة، حيث إن الجهاز قد يتعطل وقد لا يتعطل، وإذا تعطل فقد تكون قيمة إصلاحه أو تبديله أقل أو أكثر من قيمة المبلغ المدفوع، ولا ريب أن هذا غرر واضح، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر. كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر. وحقيقة هذا الضمان أنه نوع من أنواع التأمين التجاري المحرم.
الثاني: ضمان لا يتم التعاقد عليه بصورة منفصلة، وإنما يكون داخلا في عقد شراء الجهاز، ويلتزم فيه المنتج أو البائع بسلامة المبيع من العيوب المصنعية والفنية ويلتزم بصلاحيته للعمل خلال مدة متفق عليها، وبموجب هذا الضمان يتعهد المنتج أو البائع بإصلاح الخلل المصنعي والفني الطارئ على المبيع، أو تبديل غيره به إذا اقتضى الأمر تبديله. وجدير بالذكر أن هذا الضمان لا يضمن العيوب التي تنشأ من سوء استعمال المشتري وعدم عنايته بالمبيع، ولذلك فإن بعض الأجهزة التي تحتاج إلى صيانة يشترط للعمل بالضمان فيها التزام المشتري بجدول الصيانة المقترح، ويراجع لمزيد حول حقيقة هذا الضمان كتاب (إدارة التسويق) للدكتور محمد صادق بازرعة، وكتاب (الوسيط) في شرح القانون المدني.
وبالنظر إلى كلام الفقهاء يتبين أنه يمكن تخريج هذا الضمان على ما يلي:
التخريج الأول: أن هذا الضمان نوع من ضمان العيب الحادث عند المشتري والمستند إلى سبب سابق على القبض، وقد اختلف أهل العلم، هل هذا العيب من ضمان البائع أو ضمان المشتري؟ على قولين:
الأول: أنه من ضمان البائع، وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية في الأصح.
الثاني: أنه من ضمان المشتري ما لم يدلس البائع، وإلى هذا ذهب المالكية والحنابلة.
ومنشأ الخلاف في المسألة هو: هل وجود سبب العيب يعد عيبا أو لا؟ فمن قال بأنه عيب جعله من ضمان البائع، ومن قال إنه ليس بعيب جعله في ضمان المشتري.
وعلى هذا: فعلى القول بأن البائع ضامن للعيب الحادث عند المشتري إذا كان مستندا إلى سبب سابق على القبض، فإن التزام البائع وتعهده في هذا الحال يكون تأكيدا لمقتضى العقد، وأما على القول بأنه من ضمان المشتري، فإن البائع يكون قد وعد بضمان العيب المستند إلى سبب عنده، ومثل هذا الوعد يلزم الوفاء به على الراجح من أقوال أهل العلم، لأنه قد ترتب عليه دخول الموعود في كلفة، وراجع لمزيد من التفصيل الفتوى رقم: 4984.
التخريج الثاني: أن هذا الضمان هو نوع من ضمان العيب الذي لا يعلم إلا بالتجربة، وقد اختلف أهل العلم فيمن يضمن هذا العيب هل هو البائع أو المشتري؟ على قولين:
الأول: أنه من ضمان البائع، وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
الثاني: أنه من ضمان المشتري، وإلى هذا ذهب المالكية.
والذي يظهر -والله أعلم- أن القول الأول أرجح لعدة وجوه:
الأول: أن تعرف المشتري على خصائص الجهاز، واحتمال وجود عيب فيه وقت شرائه متعذر لعدم توفر الإمكانات الفنية اللازمة لذلك لدى المشتري.
الثاني: أن كثيرا من العيوب الدقيقة لا تظهر بمجرد تشغيل الجهاز، وإنما تظهر عند الاستعمال الفعلي له، فهذا الاستعمال وسيلة لاكتشاف سلامة المبيع من عيبه، وهو نظير اختبار المصراة بحلبها.
الثالث: أن المشتري إنما رضي بالمبيع سليما من العيوب، وهذا الرضا إنما يتحقق بعد المعرفة التي لا تحصل إلا بالتجربة، فما تبين من عيب بالتجربة، فإن المشتري لم يرض به، فكيف يلزمه ضمانه؟
وبهذا يتبين أن هذا النوع من الضمان جائز، وأنه لا محذور فيه شرعا، ولمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع، ننصح بمراجعة كتاب (الحوافز التجارية وأحكامها في الشريعة الإسلامية)، لفضيلة الدكتور خالد بن عبد الله المصلح.
وعلى ذلك، فإذا كان العقد الذي أبرمته مع بائع أو صانع الجهاز ينص على أن ضمان الجهاز خمس سنوات، فليس لهما أن يطالباك بأجرة إصلاحه خلال مدة الضمان، فقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود {المائدة:1}، وقال صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم فيما أحل. رواه الطبراني، وكون صانع الجهاز أو البائع أخطأ في تحديد مدة الضمان لا يعفيها من تحمل آثار الضمان الذي تعاقدا عليه.
والله أعلم.