السؤال
أفتونا جزاكم الله خيرا، بنت عقدت على رجل شرط عليها أن لا تدخل أمها بيته وأن لا يدخل بيتها، فهل هذا الزوج آثم شرعا لمنع الأم من زيارة بيت بنتها، وهل البنت آثمة لتقبلها هذا الشرط لإتمام الزواج، وهل يصح لأهل العروس معاملته بالمثل وقطع علاقتهم بهذه البنت غير البارة بأهلها، وهل يصح شرعا منعها من الميراث الشرعي كعقاب لخروجها عن أمر أبويها، علما بأن العقد قد تم وشرط الزوج بعد هذا الشرط لإتمام البناء؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الزواج في الإسلام ليس اجتماعا بين الزوجة والزوج فقط، ولكنه اجتماع بين أسرتين أو بين قبيلتين أسرة المرأة وأسرة الرجل، وقبيلة المرأة وقبيلة الرجل، وإلى هذا أشار القرآن بقوله: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا {الفرقان:54}، قال الأصمعي: الصهر قرابة النكاح فقرابة الزوجة هم الأختان، وقرابة الزوج هم الأحماء، والأصهار يقع عاما لذلك كله. انتهى.
وإذا كان الأمر كذلك فإن اشتراط الزوج على زوجته أن لا تأذن لوالديها في زيارتها في بيته، شرط يخالف مقصدا من مقاصد الشرع من النكاح، وهو سبب موصل إلى قطيعة الرحم وفساد ذات البين، وما كان كذلك فإن الشرع يمنعه، وقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز للزوج منع والدي الزوجة من زيارتها، جاء في مطالب أولي النهى: وليس له -أي الزوج- منعها -أي الزوجة- من كلامهما -أي أبويها- ولا منعهما من زيارتها لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إلا مع ظن حصول ضرر لعرف بقرائن الحال فله منعها إذن من زيارتها، دفعا للضرر. انتهى.
وقال في الإنصاف: لا يملك الزوج منع أبويها من زيارتها على الصحيح من المذهب... وجزم به في الحاوي الصغير.
وقيل له منعها: قلت الصواب في ذلك إن عرف بقرائن الحال أنه يحدث بزيارتها أو أحدهما ضرر فله المنع، وإلا فلا. انتهى.
فالمقصود أنه لا يجوز للزوج منع أبوي الزوجة أو أحدهما من زيارتها في بيته وإن شرط ذلك فشرطه باطل، ولا يلزم الزوجة الوفاء بهذا الشرط إلا في حالة أن يصيبه ضرر من زيارتهما لها فله عندئذ المنع، دفعا للضرر، وفي الحديث الذي رواه النسائي وأبو داود: وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته.
وليس للأهل أن يقطعوا بنتهم إذا قطعتهم، لأن صلة الرحم واجبة ولا يسقطها عن المرء أن الطرف الثاني قطعها، ففي صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وليس لهم كذلك منعها من إرث أحد مورثيها إذا مات، لأن الميراث حق لها ولا يسقطه قطيعتها لرحمها، قال الله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا {النساء:7}، ونسأل الله لهذه الأسرة أن تتراحم وتتواصل وتزيل ما صار بينها من ضغائن.
والله أعلم.